السؤال
كانت صديقتي تقول: إن المطر ينزل في مكة، والقصيم، وغيرها، ولم ينزل عندنا، ووصفت المطر هذه السنة بأنه "نوب"، كلمة تستخدم في الألعاب؛ لوصف الشيء بأنه ضعيف، وقالتها كالمزاح، فهل هذا من سب الدهر؟ وقد ضحكت مصدومة منها، لكني استوعبت بعد ذلك، وأنا أعلم أن الله ينزل المطر، فقلت: أستغفر الله، ورددت هي ورائي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنظن أن هذا السؤال من أثر الوسوسة! وإن كان الأمر كذلك، فالذي ينفع السائل هو الكف، والإعراض عن الشك، والتفكير بمثل هذه الطريقة، التي توقع صاحبها في الحرج، فإن وصف المطر بالقوة أو الضعف، يشبه وصفه بالكثرة أو القلة، وليس في ذلك من حرج، ولا علاقة لذلك بسب الدهر، الذي نهى عنه الشرع، فإن سب الدهر يكون بشتمه، ونسبة الأفعال إليه، كما في حديث: لا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر. متفق عليه.
قال المازري في المعلم بفوائد مسلم: المراد أنهم كانوا ينسبون الأفعال لغير الله سبحانه وتعالى؛ جهلا بكونه عز وجل خالق كل شيء، ويجعلون له شريكا في الأفعال، فأنكر عليهم، وأراد أن الذي يشيرون إليه بأنه يفعل هذه الأفعال هو الله جلت قدرته، ليس هو الدهر. اهـ.
وقال الخطابي في أعلام الحديث: كان من عادة أهل الجاهلية إذا أصابهم شدة من الزمان، أو مكروه من الأمر، أضافوه إلى الدهر، وسبوه، فقالوا: بؤسا للدهر، وتبا للدهر، ونحو ذلك من القول؛ إذ كانوا لا يثبتون لله ربوبية، ولا يعرفون للدهر خالقا، وقد حكى الله ذلك من قولهم حين قالوا: {وما يهلكنا إلا الدهر}؛ ولذلك سموا الدهرية، وكانوا يرون الدهر أزليا قديما لا أول له ... اهـ.
وقال ابن الملقن في التوضيح: كانت العرب إذا أصابتهم مصيبة يسبون الدهر، ويقولون عند ذكر موتاهم: أبادهم الدهر، ينسبون ذلك إليه، ويرونه الفاعل لهذه الأشياء، ولا يرونها من قضاء الله وقدره، وأنه أزلي لا أول له، فأعلمهم الله أنه محدث، يقلب ليله ونهاره، لا فعل له، إنما هو ظرف للطوارئ. اهـ.
والله أعلم.