قول: "لن تفعل كذا ولو كتبوه لك"

0 69

السؤال

قبل عدة أيام قالت أمي لأخي: لن تذهب للنادي، ولو كتبوها لك، لو كتبوها لك كتابة. فنبهتها إلى خطر كلامها، وأن معناه: ولو قدره الله. وعندما سألتها عن قصدها، لم تكن إجاباتها واضحة، كأنها لم تستحضر معنى عندها، فمرة تقول: لو فرض عليه، ومرة عند توضيحي لمعنى كلامها: لو قدره الله، أقرته، ولعلها كانت مستعجلة؛ لأنها تريدني أن أذهب للقراءة؛ لقرب الامتحانات، فلم تركز في كلامي، ولم ترد إطالة الكلام معي، فأتيتها في يوم آخر، وقالت: قصدت لو كاتبه الناس على ذلك، وأن الله لا يكتب أعمال الناس الدنيوية، فلم أنبهها على هذا الخطأ، وركزت على قولها السابق، وطلبت منها أن تتوب وتنطق الشهادتين احتياطا؛ فنطقت بهما، ولا أظنها استحضرت الندم، والعزم على عدم الرجوع. وبعد فترة تكرر نفس الموقف، وقالت نفس الكلام، ثم نبهتها؛ فاستغفرت، وبعد عدة أيام كررتها، وكنت أصلي، فلم أستطع تنبيهها، وعندما راجعتها أنكرت، وقالت: إنها لم تعيها، ولا أدري أتفعل ذلك لا مبالاة، وتقول: إنها تابت تظاهرا؛ فهي تستسهل الكذب، ولو لأبسط شيء، وكذا في تعظيم المصحف، فقد كانت تضع بداخله النقود، وقالت: لأنه يحفظها، وقبل أيام وجدنا بداخله موسى حلاقة، وعندما سألنا من في البيت، أنكروا، وأنكرت هي أيضا، وقالت: لعلها تكون الجدة، فهي تسكن معنا لفترة، وأولاد أختها الصغار يبقون معنا لحين رجوع أمهم من العمل، ولكنه في مكان عال لا يصلون إليه؛ فشككت فيها؛ لأنها هي من يجمع الأغراض في البيت، ولافتراضها البعيد. وذات مرة ألصقت به كيس خضروات، كان في منضدة، وأنكرت، ولم أصدقها للقرائن؛ لأنها هي التي تطبخ، والاثنتان الباقيتان لم تتحركا: فأختي استيقظت ولم تقم من سريرها، وجدتي قليلة الحركة، ولا تشاركها في الطبخ، فما حكمها؟ وماذا أفعل معها، فهي تستسهل الكذب؛ لئلا تقع في الإحراج، أو تغلط أيا كان الخطأ، وهي قليلة المبالاة، فقد كانت كثيرة الحلف في الأمور البسيطة، ثم تحنث في معظمها، وعندما نبهتها على خطئها، قللت من الحلف ولم توقفه. أرجو الرد، وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإننا نشكرك على غيرتك على دين الله، وحرصك على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فجزاك الله خيرا.

  وهذه العبارة: "ولو كتبوها لك" تطلق في السودان عادة، مرادا منها تأكيد المنع، ولا يقصد منها تحدي القدر، فلا يكون من أطلقها بهذا المعنى منكرا للقدر، وخارجا عن ملة الإسلام، وهذا لا يعني أننا نقر إطلاقها، بل ينبغي أن ينصح المسلم بعدم إطلاقها؛ تأدبا مع الشرع الحكيم. هذا أولا.

ثانيا: يبدو أن أمك عندها شيء من الجهل، وتبين هذا من قولها: "وأن الله لا يكتب أعمال الناس الدنيوية ".

ولا شك في أن هذا خطأ عظيم، وأن الواجب عليك أن تعلمها أن القدر شامل لكل أعمال بني آدم، كما قال تعالى: ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير {الحج:70}، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة... الحديث.

ثالثا: أن المسلم إذا أظهر التوبة، فالمظنون به أنه قد تاب توبة نصوحا، مستوفية شروطها، فينبغي أن يحسن به الظن في هذا.

ومن الخطأ تكلف البحث عما إن كان قد تاب نادما على ذنبه أم لا. ولمزيد الفائدة تنظر الفتوى: 78925، ففيها بيان شروط التوبة.

 رابعا: أن تعظيم المصحف مطلوب شرعا، فلا يليق وضع النقود أو غيرها داخله؛ فالمصحف لم يجعل لهذا، ووضع النقود داخله على زعم أنه يحفظها، لم نجد له أصلا، بل هو نوع من الابتداع.

خامسا: إذا أنكرت أمك وضع الموسى في المصحف، فالأصل سلامتها من ذلك، ولا يجوز لك نسبة هذا الفعل إليها وقد أنكرته.

وليس لك أن تضايقها بتتبعها في أفعالها، والإلحاح عليها بأن تخبرك إن كانت فعلت هذا الشيء المعين أم لم تفعله، فإنك قد تؤذيها بذلك، وتقع في عقوقها من حيث لا تشعر، وقد ذكرنا ضابط العقوق في الفتوى:73485.

سادسا: أن مجرد كثرة الحلف مذمومة شرعا، وإن كانت أمك تحلف اليمين ولا تكفر إذا حنثت فيها، ولا تبالي بها، فهذا منكر. وينبغي أن تعلم، ويبين لها الحق برفق، ولين، وراجع في أدب الإنكار على الوالدين الفتوى: 134356.

وإن كانت لا تستجيب لك، فسلط عليها من ترجو أن تسمع كلامه، وتستجيب له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات