السؤال
هل إذا توفي رجل مسن، يحاسب على أعماله التي قدمها في شبابه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالذي يظهر من عموم النصوص، أن الإنسان يحاسب على كل عمل عمله في حال تكليفه واختياره، والحساب يوم القيامة حسابان: حساب يسير، وهو عرض الأعمال على العبد، وحساب نقاش، ويترتب عليه العذاب، كما بيناه في الفتوى: 366640.
والذنوب التي فعلها الإنسان في حال شبابه، لا تسقط بمجرد كبره، ولكن قد يكفرها الله عن العبد بما يصيبه من المصائب والأوجاع والأمراض ونحوها؛ لحديث: ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري. وما بقي منها بدون تكفير، ولقي الله بها، فهي تحت المشيئة: إن شاء الله تعالى عذبه بها في الآخرة، وإن شاء غفر له، وهو الغفور الرحيم.
أما تقدم العبد في السن، فهذا في حد ذاته، ليس مسقطا لذنوبه التي ارتكبها في مراحل عمره، بما في ذلك مرحلة الشباب. والحديث الذي جاء فيه أن العبد إذا بلغ الثمانين، قبل الله حسناته، وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين، غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع لأهل بيته. رواه أحمد.
قال أهل العلم إنه حديث ضعيف السند لا يصح، بل قال عنه الألباني: منكر؛ لأن في إسناده يوسف بن أبي ذرة. قال عنه ابن حبان: منكر الحديث جدا، ممن يروي المناكير التي لا أصول لها. اهــ.
ولا شك أن مرحلة الشباب هي أوكد مراحل العمر التي يسأل عنها العبد يوم القيامة، فالمرء يسأل عن شبابه سواء مات شابا أو مات مسنا، فلا فرق في هذا بين من مات شابا وبين من مات مسنا؛ ففي الحديث عند الترمذي وغيره عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. اهــ.
وعند الطبراني في المعجم الكبير من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟. اهـ.
والله تعالى أعلم.