0 46

السؤال

لماذا خلق الله الخنثى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الحكمة العامة من تفاوت العباد بين صحة وسقم، وغنى وفقر، وقوة وضعف، إلى غير ذلك هي الابتلاء، والامتحان، كما قال سبحانه: وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم {الأنعام:165}، قال الخازن في لباب التأويل: {ورفع بعضكم فوق بعض درجات}: يعني أنه تعالى خالف بين أحوال عباده، فجعل بعضهم فوق بعض في الخلق، والرزق، والشرف، والعقل، والقوة، والفضل، فجعل منهم الحسن والقبيح، والغني والفقير، والشريف والوضيع، والعالم والجاهل، والقوي والضعيف، وهذا التفاوت بين الخلق في الدرجات، ليس لأجل العجز، أو الجهل، أو البخل؛ فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص، وإنما هو لأجل الابتلاء والامتحان، وهو قوله تعالى: {ليبلوكم في ما آتاكم}: يعني يعاملكم معاملة المبتلي والمختبر، وهو أعلم بأحوال عباده. اهـ.

فخلق الخنثى فيه ابتلاء له هل يصبر على ما ابتلي به فيؤجر، أم يسخط على قدر الله فيؤزر، وفيه ابتلاء لغيره من أهل العافية هل يشكرون الله على العافية عندما يرونه، أم يتكبرون عليه، ويطغون بما أتاهم الله من عافية، إلى غير ذلك من أوجه الابتلاء.

فحكمة المفاوتة بين أحوال الخلق هي الحكمة نفسها من أصل الخلق، وهي الابتلاء والامتحان، كما قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك: 2]، وقال: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [هود: 7].

ثم إننا ننبه الأخ السائل إلى أن القدر هو سر الله في خلقه، ومسائله من الدقة بمكان؛ ولذلك ضل فيها طوائف كثيرة من الخلق.  بل يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخوض في القدر، هو أصل الضلالات كلها، حيث قال: الخوض في القدر، أصل كل شبهة في العالم. اهـ.

وقال في تائيته في القدر:
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة  هو الخوض في فعل الإله بعلة

والذي يسع المؤمن هو التسليم والإذعان بأن الله جل وعلا حكيم، لا يخلق ولا يقضي إلا ما له فيه أتم الحكمة، وله عليه أتم الحمد، وأن أفعاله سبحانه دائرة بين العدل والفضل، وأنه سبحانه لا يظلم أحدا، وأن العباد لا يحيطون بحكمته جل وعلا فيما يخلق ويقدر، فإن القدر: سر الله الذي لم يحط به علما سواه.

قال الإمام الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا، أو فكرا، أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. اهـ.

والعباد وإن ظهرت لهم بعض الحكم من تقدير الله سبحانه لما هو شر في حق بعض الخلق، إلا إنهم لا يحيطون بحكمة الله جل وعلا في ذلك، كما لا يحيطون علما بذات الله سبحانه.

قال ابن تيمية: فكل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها، ونحن نعلم أن من علم حذق أهل الحساب والطب والنحو، ولم يكن متصفا بصفاتهم التي استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته في خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته، أعظم جهلا وتكلفا للقول بلا علم من العامي المحض، إذا قدح في الحساب والطب والنحو بغير علم بشيء من ذلك. اهـ من مجموع الفتاوى.

وللمزيد في هذا الباب راجع الفتاوى: 2855، 172571، 31767، 53994.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة