السؤال
حديث: لا تعير أخاك... إلخ. هل فيه أن الله سوف يبتلي الساخر، ولو بعد زمن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنك تشير إلى حديث واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. اهـ. قال ابن حبان في المجروحين: وهذا لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وقال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وضعفه الألباني.
أو حديث: خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله. وضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل. اهـ.
والحديثان يدلان على وعيد الشامت والمعير بأنه قد يعاقب بأن يبتلى بما شمت وعير غيره به، قال ابن القيم في الفروسية: فإذا رمى رسيله -منافسه في الرمي-، لم يبكته على خطأ، ولم يضحك عليه منه؛ فإن هذا من فعل السفل، وقل أن أفلح من اتصف به، ومن بكت، بكت به، ومن ضحك من الناس، ضحك منه، ومن عير أخاه بعمل، ابتلي به، ولا بد. اهـ.
وقال في مدارج السالكين: وقوله: وكل معصية عيرت بها أخاك، فهي إليك. يحتمل أن يريد به: أنها صائرة إليك، ولا بد أن تعملها، وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله. قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث: من ذنب قد تاب منه. وأيضا ففي التعيير ضرب خفي من الشماتة بالمعير، وفي الترمذي أيضا مرفوعا: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك. اهـ.
وقال ابن رجب في الفرق بين النصيحة والتعيير: من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عيوبه، وكشف عورته: أن يتبع الله عورته، ويفضحه، ولو في جوف بيته، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وقد أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، من وجوه متعددة. وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك. وقال: حسن غريب. وخرج أيضا من حديث معاذ مرفوعا: من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله وإسناده منقطع. وقال الحسن: "كان يقال: من عير أخاه بذنب تاب منه، لم يمت حتى يبتليه الله به". ويروى من حديث ابن مسعود بإسناد فيه ضعف: البلاء موكل بالمنطق، فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة، لرضعها. وقد روي هذا المعنى عن جماعة من السلف. ولما ركب ابن سيرين الدين، وحبس به، قال: (إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا: عيرت رجلا منذ أربعين سنة، فقلت له: يا مفلس). اهـ.
لكن يجب التنبه إلى قاعدة جليلة في باب الوعيد: وهي أن العقوبة لا يلزم أن تصيب كل من وقع في الذنب المتوعد عليه، بل الوعيد قد يتخلف لمانع، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: حيث قدر قيام الموجب للوعيد, فإن الحكم يتخلف عنه لمانع.
وموانع لحوق الوعيد متعددة: منها: التوبة. ومنها: الاستغفار. ومنها: الحسنات الماحية للسيئات. ومنها: بلاء الدنيا ومصائبها. ومنها: شفاعة شفيع مطاع. ومنها: رحمة أرحم الراحمين.
فإذا عدمت هذه الأسباب كلها, ولن تعدم إلا في حق من عتا، وتمرد، وشرد على الله شراد البعير على أهله, فهنالك يلحق الوعيد به؛ وذلك أن حقيقة الوعيد: بيان أن هذا العمل سبب في هذا العذاب, فيستفاد من ذلك تحريم الفعل، وقبحه.
أما أن كل شخص قام به ذلك السبب, يجب وقوع ذلك المسبب به, فهذا باطل قطعا؛ لتوقف ذلك المسبب على وجود الشرط, وزوال جميع الموانع. اهـ.
فليس كل معير، يعاقب ويبتلى بما عير به غيره.
والله أعلم.