السؤال
هل عقوق الأبناء للآباء الذين عقوا أبناءهم حرام؟ وهل تمني الموت لهم حرام؟ وهل فعلا، كما تدين تدان، وسيرد لي تمني الموت لأبي وكرهه؟ فهو قاس، يضرب أمي، ولا يصرف علي، ولا زوج أحدا من إخوتي، ولا ساعد أختي في زواجها؛ رغم حاجتها للمساعدة، ولا يصرف على كسوتي، أو تعليم إخوتي الصغار، وأنا أصرف عليهم، وخطبت ثلاث مرات، فلم يجهزني، إلا أنه أتي لي بفرن، ولحاف، وأنا أكرهه؛ لأنه سبب لي الضغط الذي أنا فيه؛ فأنا أعمل من الصبح إلى الليل؛ لأنفق على أولاده، وتوقفت حياتي، ولا قدرة لي على تجهيز نفسي، ولا الزواج، وأي عريس يتقدم لي أرفضه؛ بسبب عدم القدرة على الجهاز، وأشعر أن كل الذي أعمله سيضيع دون ثواب؛ بسبب الضغط الذي أنا فيه، وأخاف أن أدخل النار؛ بس كرهه، ودعائي عليه.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك أمورا عديدة، وجوابنا عنها، سيكون في النقاط التالية:
- عقوق الوالدين، من أكبر الكبائر، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا، فقال: ألا وقول الزور.
- من عق والديه، ولم يتب، فيخشى عليه أن يعقه أولاده، فكما تدين تدان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: ولهذا يقال: "عفوا، تعف نساؤكم، وأبناؤكم، وبروا آباءكم، تبركم أبناؤكم"، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها. انتهى.
- مهما أساء الوالد إلى ولده، فلا يسقط حقه في البر، والمصاحبة بالمعروف؛ فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين، الذين يأمران ولدهما بالشرك، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -: نحن أربعة إخوة، قد هدانا الله على يد أخي الأكبر، ولكن أبي يسبنا، ويلعننا، وقد تحملناه، وصبرنا على إيذائه لنا أربع سنوات، مع العلم أنه يوالي بعض الناس، الذين يعينونه على المعاصي، ولا يحافظ على الصلاة، بل أحيانا يتركها بالمرة، وفي النهاية تركنا البيت، وهجرناه، فهل نأثم في ذلك، مع العلم أننا نصل أمنا؟
فأجاب: الواجب عليكم أن تسألوا الله الهداية لأبيكم، وأن تناصحوه دائما، ولا يحل لكم أن تهجروه، ولا أن تعقوه؛ لأن الله تعالى قال: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) لقمان/ 14، 15. فهذه الصورة التي ذكرها الله عز وجل، يبذلان الجهد في ولدهما أن يشرك بالله، ومع ذلك؛ يقول الله عز وجل: (وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فعليك أن تبر والديك، وربما يكون برك لهما سببا في صلاحهما .. انتهى من "اللقاء الشهري"، وانظري الفتوى: 114460.
- لا يجوز الدعاء على الوالد، وإن كان ظالما، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- حين سئل عن الدعاء على الأب الظالم: لا يجوز لك الدعاء عليه، ولكن تقولين: اللهم اهده، اللهم اكفنا شره.. وانظري الفتوى: 59562.
- لا ينبغي بغض الوالد، أو تمني موته، لكن إذا كان البغض بسبب قسوته، وظلمه، فلا مؤاخذة عليه؛ بشرط ألا يحمل على عقوقه، أو التقصير في حقه، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: نعم، الأمر كما قالت السائلة: أن الإنسان لا يملك الحب أو البغض، فهو أمر يضعه الله تعالى في القلب، لكن الإنسان يجب عليه ألا يتأثر بهذا الحب، إلا بمقدار الحكم الشرعي. انتهى.
- الواجب على الوالد أن ينفق على زوجته، وأولاده المحتاجين للنفقة بالمعروف، ولا يجب عليك أن تنفقي على إخوتك، إذا كان أبوك قادرا على الإنفاق عليهم، قال الخرقي -رحمه الله-: ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم. انتهى. وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ومن كان له أب من أهل الإنفاق، لم تجب نفقته على سواه. انتهى. وراجعي الفتوى: 25339.
والله أعلم.