معيار الضرورة المبيحة للقرض الربوي

0 82

السؤال

أولا: أود أن أشكر القائمين على الموقع جزيل الشكر، واللهم اجعل عملكم في ميزان حسناتكم.
سؤالي حول الاضطرار إلى أخذ قرض ربوي، وسأحكي لكم قصتي، وأرجو منكم إفتائي:
كنا نكتري شقة، وعند انتهاء العقد طالب صاحب البيت ببيته، المدينة التي نقطن بها يوجد بها صعوبة لإيجاد مسكن لائق، وأثمان الكراء مرتفعة، مع العلم أننا كنا نكتري هذا البيت بثمن منخفض؛ لأننا كنا راهنين مبلغا لصاحب الشقة، وهذا معمول به هنا في بلادنا ،المهم طلبنا من صاحب الشقة مهلة حتى نجد سكنا، فاقترح علينا هو من تلقاء نفسه أن يقرضنا قرضا حسنا لشراء سكن، بأن يقرضنا ما تبقى من المبلغ الذي لدينا مسبقا (المبلغ الذي نرهن به)، بمعنى لدينا تقريبا 40% من ثمن الشقة، فسيقرضنا 60%، ففرحنا بهذا، وخرجنا من الشقة التي يكتريها لنا، وذهبنا إلى أحد أقاربنا لنسكن معه مؤقتا، ودفعنا تسبيقا للشقة التي نريد، وعند موعد التسليم (الذي كان قبل شهرين من اليوم) اتصلنا بالشخص الذي وعدنا بالقرض، وحسب مكالماتنا معه يبدو -والله أعلم- أنه بدأ بالتهرب بحجج مفادها أنه ينتظر أن يبيع أشياء، ويسدد أشياء ووو ... مع العلم أنه شخص ميسور -اللهم بارك- ولا يحتاج أن يبيع شيئا ليقرضنا، وعندما وعدنا بأنه سيقرضنا لم يذكر لنا أن القرض رهين ببيع شيء معين، المهم نحن الآن ننتظر لمدة ستة أشهر، ونعيش ظروفا غير جيدة مع أقاربنا بسبب ضيق المساحة، وكذلك يوجد مشاكل عدة مع هذا القريب، ونريد الرحيل في أقرب وقت؛ لأن المعيشة أصبحت صعبة في هكذا ظروف، المشكل هو أنه إذا أردنا سحب تسبيق الشقة التي نريد أن نشتري، فإنهم سيقتطعون لنا تقريبا 40% مما سبقنا (حسب العقد) ويجب علينا أن ننتظر حتى يجدوا من يشتري تلك الشقة والإجراءات تأخذ وقتا طويلا جدا حسب علمنا، وإذا أردنا الكراء بدون رهن، فالأثمان مرتفعة، ومن الصعب إيجاد سكن لائق ومستوانا الاجتماعي الحالي ضعيف، الآن نحن لا نعرف ماذا يجب أن نفعل، ففكرنا أن نأخد سلفة من البنك بفائدة لنكمل ثمن الشقة، وننتهي من هذا الجحيم الذي نعيشه كل يوم.
والله لم نكن في يوم من الأيام نفكر في أخذ قرض ربوي من البنك، لكن كما حكيت لكم هذا ما وقع، فقد قرأت الكثير عن الربا وإثمه، وكذلك قرأت أنه من اضطر إلى ذلك فإنه لا إثم عليه، بدعوى الضرورات تبيح المحظورات، فأرجو من سيادتكم إعطائي جوابا واضحا وصريحا ومباشرا. هل يجوز أخذ القرض من البنك أم لا في حال هذه الظروف التي نعيش؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالربا من المحرمات القطعية التي لا تباح إلا عند الضرورة، وتعرف الضرورة بأنها بلوغ المكلف حدا إن لم يتناول الحرام هلك أو قارب على الهلاك. قال الزركشي -رحمه الله-  في المنثور في القواعد: فالضرورة: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم. والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرم.  انتهى .

وقال الزحيلي في نظرية الضرورة الشرعية : الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى 

ومما جاء في فتوى مجمع البحوث الإسلامية حول الربا: والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. وكل امرىء متروك لدينه في تقدير ضرورته. اهـ

وعليه؛ فالاقتراض بفائدة ربا لا يجوز الإقدام عليه ما لم تلجئ إليه ضرورة معتبرة؛ كما بينا في الفتوى: 230224.

ثم إنه قد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام. انتهى

وعلى المسلم أن يتقي الله تعالى، ويتحرى الحلال، وقد وعد سبحانه المتقين في كتابه فقال: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب [الطلاق:3،2].
ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة