السؤال
في رمضان تحبس الشياطين، ولكن أحيانا توسوس النفس للإنسان، وقد يرتكب إثما، أو يؤخر صلاة، أو يسهو في الصلاة، أو ما شابه. فكيف ذلك والشيطان مصفد مقيد؟
أفيدوني، وجزاكم الله كل خير.
في رمضان تحبس الشياطين، ولكن أحيانا توسوس النفس للإنسان، وقد يرتكب إثما، أو يؤخر صلاة، أو يسهو في الصلاة، أو ما شابه. فكيف ذلك والشيطان مصفد مقيد؟
أفيدوني، وجزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري قوله: وسلسلت الشياطين: قال الحليمي: يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه، لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره: المراد بالشياطين بعضهم، وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه، وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن"، وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ "وتغل فيه مردة الشياطين"، زاد أبو صالح في روايته: "وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" لفظ ابن خزيمة وقوله "صفدت" بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة، أي شدت بالأصفاد، وهي الأغلال، وهو بمعنى سلسلت، ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه "فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله"، قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم: "فتحت أبواب الرحمة، قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات، وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات، قال الزين بن المنير: والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. اهـ.
وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره: فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا، فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك، فالجواب: أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. اهـ.
والله أعلم.