فضائل الشهداء والفرق بين شهيد المعركة والثواب

0 36

السؤال

أين تذهب روح الشهيد: هل تذهب مباشرة إلى الجنة، أم تنتظر إلى قيام الساعة؟ وهل يتنعم بنعيم الجنة مع الرسل -عليهم الصلاة والسلام-؟ وهل يبدلهم الله جسما آخر؟ أسأل هذه الأسئلة لأن أمي توفيت بسرطان الكبد، بع انتشاره في جسمها -رحمها الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنرجو لمن مات بمثل هذا الداء، أن يكون في عداد الشهداء، لكونه مبطونا، أي: مات بداء البطن، وراجع في ذلك الفتويين: 139446، 317680.

ولكن مع ذلك ينبغي التفريق بين شهيد المعركة، والشهيد في ثواب الآخرة، قال النووي في شرح مسلم: اعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام: 

أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة، وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل، ولا يصلى عليه. 

والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون، والمطعون، وصاحب الهدم، ومن قتل دون ماله، وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيدا، فهذا يغسل، ويصلى عليه، وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول. 

والثالث: من غل في الغنيمة، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيدا، إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 97099.

والمقصود؛ أن شهيد الثواب وإن كان له في الآخرة أجر شهيد المعركة، إلا أنه لا يلزم أن يكون مثله في الثواب، وفي كل الفضائل.

ومن جملة ما ورد في فضائل الشهداء: قوله صلى الله عليه وسلم: انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسولي، فهو علي ضامن: أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال أجر، أو غنيمة. متفق عليه. قال القاضي عياض في إكمال المعلم: قوله: "أن يدخله الجنة" له وجهان: أحدهما: أن يدخله إياها عند موته، كما جاء في الشهداء في كتاب الله: {أحياء عند ربهم يرزقون}، ويحتمل أن يريد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين لها دون حساب، ولا عقاب، ولا مؤاخذة بذنب. اهـ. وذكر مثل ذلك ابن الملقن في التوضيح، والعراقي في طرح التثريب، وغيرهما، وزادوا في الاستدلال على القول الأول حديث: أرواح الشهداء في الجنة.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: هذا نص يخص أرواح الشهداء دون سائر الناس، فالشهيد يسرح في الجنة، ويأكل منها، يقول الله عز وجل في الشهداء: إنهم {أحياء عند ربهم يرزقون}، فخصهم بهذه الفضيلة، فلا يشركهم فيها غيرهم. اهـ. وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون، ولا محالة أنهم ماتوا، وأن أجسادهم في التراب، وأرواحهم حية، كأرواح سائر المؤمنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم. وقد اختلف العلماء في هذا المعنى، فالذي عليه المعظم هو ما ذكرناه .. اهـ.

وعلى أية حال؛ فهذا النعيم خاص بالروح.

وأما البدن، فهو في القبر؛ حتى يجمعه الله بروحه يوم القيامة، وراجع في ذلك الفتوى: 242074.

وهل هذا النعيم للأرواح خاص بشهيد المعركة، أم يعم جميع أصناف الشهداء، في هذا خلاف بين أهل العلم، والتعميم هو الأظهر، قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: للشهداء خصوصيات، منها: أنه يغفر له أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويزوج اثنين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواها الترمذي بسند صحيح غريب.

ومنها: أنهم {أحياء عند ربهم يرزقون} كما في القرآن العزيز، وأن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش. رواه مسلم.

وبعض هذه الخصال يكون لسائر الشهداء، كالأخيرة، كما نقله القرطبي عن العلماء، وكوقاية فتنة القبر، كما ذكره الجلال السيوطي، ونقله عن القرطبي، ورد على من توقف من معاصريه في كون المطعون يأمن فتنة القبر ... . اهـ.

والمسألة فيها كلام طويل متشعب، وأخذ ورد، وتجد ذلك في التذكرة للقرطبي، وشرح الصدور للسيوطي، وكتاب الروح لابن القيم.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أرواح جميع المؤمنين في الجنة تتنعم فيها، وتأكل من ثمارها، قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}: قد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة، تسرح أيضا فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة، والسرور، وتشاهد ما أعد الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، فإن الإمام أحمد -رحمه الله-، رواه عن محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-، عن مالك بن أنس الأصبحي -رحمه الله-، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نسمة المؤمن طائر، يعلق في شجر الجنة؛ حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه". قوله "يعلق" أي: يأكل، وفي هذا الحديث: إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة.

وأما أرواح الشهداء، فكما تقدم في حواصل طير خضر، فهي كالراكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها .. اهـ.

 وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: قد قال بعض العلماء: إن أرواح المؤمنين كلهم في جنة المأوى، وإنما قيل لها: المأوى؛ لأنها تأوي إليها أرواح المؤمنين، وهي تحت العرش، فيتنعمون بنعيمها، ويتنسمون من طيب ريحها، وهي تسرح في الجنة، وتأوي إلى قناديل من نور تحت العرش. وما ذكرناه أولا أصح اهـ.

وعلى أية حال؛ فالبدن لا يتنعم بنعيم الجنة، إلا عندما يدخلها في الآخرة، قال ابن القيم في كتاب الروح: لا تنافي بين قوله: "نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة"، وبين قوله: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار"، وهذا الخطاب يتناول الميت على فراشه، والشهيد، كما أن قوله: "نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة"، يتناول الشهيد، وغيره، ومع كونه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، ترد روحه أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها.

وأما المقعد الخاص به، والبيت الذي أعد له، فإنه إنما يدخله يوم القيامة، ويدل عليه أن منازل الشهداء، ودورهم، وقصورهم التي أعد الله لهم، ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ قطعا، فهم يرون منازلهم، ومقاعدهم من الجنة، ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، فإن الدخول التام الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخول الأرواح الجنة في البرزخ أمر دون ذلك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة