السؤال
خالي توفي مجاهدا منذ سنين، ووالدتي حاولت التواصل مع زوجته؛ كونها حاملا منه، فأعطت زوجة مجاهد آخر رقمي، وبعد سنة راسلتني زوجة خالي، ولكون الرقم غريبا، طلبت مني والدتي أن لا أرد عليه، وأن أحظره، وأعطينا خالي رقم زوجة خالي المتوفى، فعاتبنا؛ لأننا نريد التواصل معه، وما فعلت ما فعلته إلا خوفا من أمور الاختراق، وما إلى ذلك.
ووالدي طلب منا أن لا نتواصل معها؛ كونها بسوريا، فغضبت خالتي على والدتي، وقالت أمي: أنا أفعل هذا فقط لحماياتنا من الأغراب، وكيف تقتنعين أنها هي؟ وبعد فترة أنجبت منه صبيا، وخالتي تتواصل معها إلى الآن، ولا تخبرنا بأخبار ابن خالي؛ لأننا لا نريد التواصل معهم، فعندما يرسلون لها صورته تريها الجميع، ما عدا والدتي، فتتجنبها، فهل يجوز ما فعلناه؟ وهل يجوز ما تفعله خالتي بنا؟ فوالدتي كرهت محاولة التواصل مع زوجة خالي؛ لأن خالتي تظن أننا لا نريد التعرف إليها، حتى أنها فكرت مرة في إحضار ابن خالي للعيش معنا، لكن الجميع رفض؛ لأنه يجب أن لا يفارق أمه، وليس من حقها فعل ذلك، وفي كثير من الأحيان نحرج عندما يسألنا أحد عنه؛ لأننا لا نعرف أخباره، وخالتي تتجنب إخبارنا أي شيء عنه، ووالدتي تقول: لا أظن أنها فكرة جيدة أن نتواصل مع زوجته، فعندما سألتها: لم؟ قالت: لأن خالتي قد تكون أخبرتها أنني رفضت التواصل معها، وقد تكون أخذت موقفا سيئا عني، فتجاهلي أخبارها، وليس باليد حيلة، كما أن خالتي مرة أخبرت زوجة خالي التي تسكن في بيت جدي بشيء أخبرناه عنها، فأخبرتها، فهل نعد قاطعين للرحم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسؤالك عما إن كان يجوز ما فعلتموه: لعلك تقصدين به ما كان من حظر رقم الاتصال لغرابته، والخوف من الاختراق، ونحوه:
فإذا كان الأمر كذلك، فلم يحدث منكم تقصير تستحقون اللوم عليه، وكان ينبغي على خالتك أن تلتمس لكم العذر، وكان الأولى بكم أن تبينوا لها الأمر الذي دعاكم لذلك، ولكن يبدو أن الشيطان استغل هذا الحدث؛ ليشعل نار الفتنة، والشحناء، والبغضاء، وهو العدو الذي حذر الله تعالى عباده المؤمنين من كيده، فقال: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {فاطر:6}.
ومما يدل أيضا على خطورة أمره: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة، أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت.
فالذي نوصي به أن تبادروا بتوضيح الحقيقة لخالتكم، فلعلها تتفهم الأمر، ويزول الإشكال، فإن خشيتم أن لا تسمع لكم قولا، فليتدخل العقلاء من الناس، ويسعوا في سبيل الإصلاح، ويذكروا الجميع ما بينهم من الرحم التي تجب صلتها، ويحرم قطعها، فالإصلاح من أفضل القربات، وأعظم الطاعات، التي يتقرب بها إلى رب الأرض والسماوات، روى أبو داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة. ونرجو أن يبارك الله في هذا المسعى، ويتحقق الإصلاح.
وقد أحسنتم بمحاولتكم معرفة أخبار ابن خالكم، والاطمئنان عليه، وصلته، وما كان ينبغي لخالتكم أن تحجب عنكم خبره، ونرى أن تسعوا في التواصل مع أمه، وإن أساءت فهم تصرفكم، فبينوا لها حقيقة ما كان منكم، وسبب حظر رقم الاتصال.
ويمكنكم معرفة خبر ابن خالكم منها، والعمل على إيصال ما يمكن من الخير إليه، من المساعدة، أو الهدية، ونحو ذلك مما تتحقق به صلة الرحم، فإن هذه الصلة تتحقق بما تعارف الناس على أنه كذلك، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وأما صلة الرحم: فهي الإحسان إلى الأقارب ـ على حسب حال الواصل والموصول ـ فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة، والسلام، وغير ذلك. اهـ.
ولا يظهر لنا مما ذكرت أنه قد وقعت منكم قطيعة للرحم.
والله أعلم.