السؤال
في الآونة الأخيرة قرأت أحاديث عن الترهيب للمرأة؛ لدرجة وصلت بتفكيري أن الجنة لا يدخلها سوى الرجال، ونساء أهل الجنة هن الحور العين فقط -وأنا أعلم بأني مخطئة-
فما صحة هذا الحديث أولا: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك، يوشك أن يفارقك إلينا. ومن المعروف بأن المشاكل الزوجية واقعة بين الزوجين لا محالة، فإن كانت الملائكة تلعن الزوجة إن أبت زوجها والحور العين كذلك بسبب شجار بين الزوجين الذي هو واقع لا محالة، فهل سندخل الجنة؟ ألا يوجد من يلعن الزوج إن آذى زوجته؟
أنا فتاة كنت أرغب بالزواج؛ لأني أردت رجلا يحبني وأحبه، ولأني أرغب بالذرية، أحب الأطفال، ولكن اكتشفت بأن دخولي الجنة أو النار يعتمد على إرضاء الزوج بعد طاعة الله، فلماذا أتعب نفسي وأتزوج، وبمجرد أي خلاف بيننا سأكون من أهل النار؟ أصبحت أنفر من فكرة الزواج رغم أني أريده، وحالتي النفسية ساءت، والدموع لا تفارق وجهي.
أليس من المفترض أن يكون الزوجان شريكين متساويين عند الله؟
لماذا إن زل لساني في لحظة أصبحت حطب جهنم؟ فعن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أريت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء) قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: (بكفرهن) قيل : يكفرن بالله ، قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط ).
ومهما يفعل الرجل لا نرى أي حديث ترهيب له؟
هم ليسوا ملائكة منزهين، لماذا لا يلعن إلا جنس النساء؟
أصبحت حتى أكره الحور العين، ولا أرغب بزوج يشاركني فيه أحد في الجنة، لا تقل لي: في الجنة لا توجد غيرة ولا بغضاء، أنا أعلم ذلك، ولكن أليس فيها ما تشتهي الأنفس؟ إن أردت زوجا لي وحدي كما أنا له وحده ألن يحققه لي الله في الجنة؟ إن كان جوابك بـ لا، إذن ما فائدتها كجنة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا أن ما جاء به الخبر من وحي السماء، وصح به الأثر، وجب على المؤمن والمؤمنة قبوله، والتسليم له؛ لأن هذا مقتضى الإيمان، قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}، وقال أيضا: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا {الأحزاب:36}.
وينبغي أن يكون شعارنا ما كان يقوله حماد بن سلمة - رحمه الله -: آمنا بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. فهذه حقيقة مهمة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان.
ثانيا: إن حديث: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا..... الحديث، رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث صحيح، صححه الشيخ الألباني. ومجرد حدوث مشكلة بين الزوجين لا يعني أن الزوجة تؤذي زوجها، بل قد تحدث المشكلة، ويكون الزوج هو الجاني والمؤذي، ولذلك ذكر القرآن نشوز الزوج أيضا، قال تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا {النساء:128}. والمقصود بالحديث أن تحسن الزوجة معاشرة زوجها، فلا تسيء عشرته فيكون ذلك سببا في عصيانها ربها، وسخطه عليها، ودخولها النار.
جاء في كتاب المفاتيح شرح المصابيح للمظهري: معنى هذا الحديث: إنك أيتها المرأة التي تؤذي زوجك في الدنيا إيذاؤك زوجك عصيان الله تعالى، وعصيان الله سبب دخول النار، ودخولك النار فراق بينك وبين زوجك مدة بقائك في النار إلى أن تخرجي من النار، وتدخلي الجنة، وتصلي إلى زوجك. اهـ.
ثالثا: لا نعلم دليلا على لعن الزوج إن هو آذى زوجته، وعلى كل حال لا يجوز للزوج أن يؤذي زوجته ويعتدي عليها، فإن فعل فإنه ظالم لها، قال تعالى: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا {النساء:34}، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد. اهـ. وراجعي الفتوى: 153807.
رابعا: لا تتركي لهذه الهواجس مجالا للحيلولة بينك وبين الزواج، فإنه من أمور الخير التي تنبغي المبادرة إليها، وفيه كثير من مصالح الدنيا والآخرة التي يحرص عليها المؤمن والمؤمنة، وانظري الفتوى: 194929. وقد علمت أن مجرد حدوث مشكلة لا يعني إيذاء الزوجة لزوجها، ولا تخلو الحياة الزوجية من مشاكل غالبا، بل لم يسلم بيت النبوة منها، كما في قصة النفقة التي نزلت فيها الآيات من سورة الأحزاب، وكذلك قصة عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- وشرب النبي -صلى الله عليه وسلم- العسل، ونزلت فيها الآيات من سورة التحريم.
ومثل هذه النصوص التي فيها التحذير للرجل أو المرأة ينبغي أن تكون خير معين للزوج والزوجة على أن يقوم كل منهما بحق الآخر عليه بأكمل وجه، ويتحقق مقصد من أعظم مقاصد الزواج وهو السكون والاستقرار الأسري، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {الروم:21}.
وينبغي النظر أيضا في نصوص الترغيب ليكون هذا النظر متوازنا، ويعيش صاحبه في الحياة على استقامة بين الخوف والرجاء، ومن هذه النصوص، ومن ذلك ما ثبت في مسند أحمد عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ".
خامسا: قولك:( إن زل لساني في لحظة أصبحت حطب جهنم؟ ) كلام يخالف الحديث الذي أوردته، فالزلل يمكن أن يكون من المرأة الصالحة مع زوجها، ثم تراجع نفسها، روى النسائي في السنن الكبرى عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضا حتى ترضى.
وأما الحديث الذي أوردته فهو دال على المرأة التي من شأنها وعادتها المستمرة هذا الفعل المشين، بدلالة ما جاء من التعبير بالمضارع.
سادسا: اجعلي همك أن تدخلي الجنة، فإذا دخلتها وجدت فيها النعيم المقيم والسعادة الأبدية التي لا شقاء بعدها. وكون الواحد من أهل الجنة له فيها ما تشتهي نفسه حق كما أخبر بذلك القرآن، ولكن لا تشتهي المرأة في الجنة أن يكون زوجها في الجنة لها وحدها. والتفكير في مثل هذا الأمر المحسوم لا فائدة منه، بل قد تترتب عليه بعض العواقب السيئة، كإنكار ما أخبر الله عنه في كتابه، أو أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة، وفي هذا من الخطورة ما فيه، فيجب الحذر من ذلك.
والله أعلم.