الأدلة على أن أبا طالب مات مشركا

0 47

السؤال

ما صحة هذا الحديث الذي رواه ابن إسحاق، من أنه صلى الله عليه وآله وسلم طمع في إسلام أبي طالب؛ لما رأى منه قبل وفاته، فجعل يقول له: أي عم، قلها ـ أي كلمة التوحيدـ أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة، فأجابه أبو طالب: يا ابن أخي، والله، لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبي أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أنني إنما قلتها فزعا من الموت، لقلتها، ولا أقولها إلا لأسرك بها.
فلما تقارب الموت من أبي طالب، نظر العباس إليه، فوجده يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنيه، ثم قال: يا ابن أخي، لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم أسمع.
فهل حقا أسلم أبو طالب قبل وفاته؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

 فالصواب أن أبا طالب مات مشركا، وهذا الحديث في سنده مقال، ثم هو معارض بما هو أصح منه بمرات.

وقد أورد ابن كثير في تاريخه هذا الحديث، وتلك الشبهة للقائلين بإسلام أبي طالب، ثم أجاب عنها بما مختصره: وقد استدل بعض من ذهب من الشيعة وغيرهم من الغلاة، إلى أن أبا طالب مات مسلما، بقول العباس هذا الحديث: يا ابن أخي! لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. يعني لا إله إلا الله.

والجواب عن هذا من وجوه: أحدها، أن في السند مبهما لا يعرف حاله، وهو قوله: عن بعض أهله. وهذا إبهام في الاسم والحال، ومثله يتوقف فيه لو انفرد. وقد روى الإمام أحمد، والنسائي، وابن جرير نحوا من هذا السياق، من طريق أبي أسامة، عن الأعمش، حدثنا عباد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره، ولم يذكر قول العباس.... ثم قد عارضه -أعني سياق ابن إسحاق- ما هو أصح منه، وهو ما رواه البخاري -رحمه الله- عن ابن المسيب، عن أبيه، رضي الله عنه، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: "أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله". فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} [التوبة: 113]، ونزلت: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56]...

وهكذا قال عبد الله بن عباس، وابن عمر، ومجاهد، والشعبي، وقتادة: إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: لا إله إلا الله. فأبى أن يقولها، وقال: هو على ملة الأشياخ. وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب.

ويؤكد هذا كله ما روى البخاري عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".. قال السهيلي: وإنما لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة العباس لأخيه، أنه قال الكلمة، وقال: " لم أسمع" ; لأن العباس كان إذ ذاك كافرا، غير مقبول الشهادة. قلت: وعندي أن الخبر بذلك ما صح، لضعف سنده كما تقدم، ومما يدل على ذلك، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن أبي طالب، فذكر له ما تقدم. وبتقدير صحته، لعله قال ذلك عند معاينة الملك بعد الغرغرة، حين لا ينفع نفسا إيمانها. والله أعلم.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت ناجية بن كعب، يقول: سمعت عليا، يقول: لما توفي أبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن عمك قد توفي، فقال: "اذهب فواره". فقلت: إنه مات مشركا. فقال: "اذهب فواره، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني". ففعلت، ثم أتيته فأمرني أن أغتسل.. انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير مختصرا.

وهو كاف في بيان المقصود.

وللألوسي المفسر كلام حسن، بعد سياقه هذه القصة، نورده بحروفه وعبارته: واحتج بهذا ونحوه من أبياته المتضمنة للإقرار بحقية ما جاء به صلى الله عليه وسلم، وشدة حنوه عليه، ونصرته له صلى الله عليه وسلم، الشيعة الذاهبون إلى موته مؤمنا. وقالوا: إنه المروي عن أهل البيت، وأهل البيت أدرى، وأنت تعلم قوة دليل الجماعة، فالاعتماد على ما روي عن العباس دونه مما تضحك منه الثكلى، والأبيات على انقطاع أسانيدها ليس فيها النطق بالشهادتين وهو مدار فلك الإيمان، وشدة الحنو والنصرة مما لا ينكره أحد إلا أنها بمعزل عما نحن فيه، وأخبار الشيعة عن أهل البيت أوهن من بيت العنكبوت، وإنه لأوهن البيوت.

نعم لا ينبغي للمؤمن الخوض فيه كالخوض في سائر كفار قريش من أبي جهل وأضرابه، فإن له مزية عليهم بما كان يصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاسن الأفعال، وقد روي نفع ذلك له في الآخرة، أفلا ينفعه في الدنيا في الكف عنه وعدم معاملته معاملة غيره من الكفار. فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وقد ذكر عنده عمه: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار وجاء في رواية أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمك أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم، وجدته في غمرات النار، فأخرجته إلى ضحضاح من نار. وسبه عندي مذموم جدا، ولا سيما إذا كان فيه إيذاء لبعض العلويين، إذ قد ورد: لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة