السؤال
ورد في حديث آخر من يدخل الجنة. قوله: قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها. هل هو عن الجنة أم النار؛ لأن معنى قشيب ملتبس؛ لأنها وردت في ثوب قشيب، أبيض نظيف، وسيف قشيب. سيف لامع، وكذلك ريح ذكي، أو رائحة ذكية؟
ورد في حديث آخر من يدخل الجنة. قوله: قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها. هل هو عن الجنة أم النار؛ لأن معنى قشيب ملتبس؛ لأنها وردت في ثوب قشيب، أبيض نظيف، وسيف قشيب. سيف لامع، وكذلك ريح ذكي، أو رائحة ذكية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال حديث طويل، رواه البخاري ومسلم، وغيرهما في قصة آخر رجل يخرج من النار، ويدخل الجنة وفيه: فيقول: يا رب؛ اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها ...إلخ.
والمقصود ريح النار، فقد ذكر علماء اللغة أن القشيب من الأضداد، وقالوا كل مشموم قشيب ومقشب، ولكن سياق الحديث واضح في أن المراد هنا ريح النار.
قال النووي في شرح مسلم: أما قشبني فبقاف مفتوحة، ثم شين معجمة مخففة مفتوحة. ومعناه سمني وآذاني، وأهلكني. كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب.
وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي، وأما ذكاؤها فكذا وقع في جميع روايات الحديث، ذكاؤها بالمد وهو بفتح الذال المعجمة. ومعناه لهبها واشتعالها، وشدة وهجها والأشهر في اللغة ذكاها مقصور. وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان، يقال ذكت النار تذكو ذكا إذا اشتعلت وأذكيتها أنا. اهــ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: قد قشبني ريحها بقاف وشين معجمة مفتوحتين، مخففا. وحكي التشديد، ثم موحدة، قال الخطابي: قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه، وأصل القشب خلط السم بالطعام، يقال قشبه إذا سمه، ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته. وقال النووي: معنى قشبني سمني وآذاني وأهلكني، هكذا قاله جماهير أهل اللغة. وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي، قلت: ولا يخفى حسن قول الخطابي. وأما الداودي فكثيرا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها. وقال ابن أبي جمرة: إذا فسرنا القشب بالنتن والمستقذر، كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة، وهو من أعظم نعيمها، وعكسها النار في جميع ذلك. اهــ.
والله أعلم.