السؤال
لدي بعض المشاكل. بحثت في موقعكم، ولم أجد لها حلا.
هناك شبهات تحوم حولي دائما، كانت سببا في تركي للصلاة، واقتراف المعاصي. أي بمعنى أني ظالم لنفسي، ولا أشعر بوجود الله بصراحة. قرأت الكثير هنا، ولا شيء غير تفكيري.
العديد من الفضائح تنتشر حول من أسموا نفسهم رجال الدين. وأيضا الرسالة لم تصل العالم بأسره، هناك أناس ما زالوا يعيشون في العصر الحجري.
حتى في الدول المتقدمة أرى الأمر غريبا، فنحن كلنا بشر كيف أنا أعبد الله وهو لا، فقد أخبرني صديق لي أنه لا وجود للدين؛ لأن الأخلاق هي أفضل دين يجب العيش به.
أتمنى أن ألقى الجواب الشافي منكم؛ لأن هذه المشكلة تؤرقني كثيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، وشر شياطين الإنس والجن.
وأما ما ذكرت من عدم شعورك بوجود الله! فهذا من أعجب العجب، ففي كل شيء في الوجود آية تدل عليه، وتشير إليه سبحانه وتعالى، وبحسب المرء أن ينظر في نفسه، وما فيها من آيات الخلق والحكمة والإحكام، والإبداع والإتقان، ففي ذلك أظهر الأدلة على وجود الخلاق العليم الحكيم سبحانه وتعالى، وراجع في ذلك الفتوى: 129287 وما أحيل عليه فيها.
وأما الفضائح التي تنتشر حول من يسمون أنفسهم رجال الدين! فهذا الأمر برغم وقوعه، إلا إنه لا يشكل على المسلم في أمر دينه، بل على العكس، فقد أشار القرآن إلى هذا الواقع الفاسد، كما في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله [التوبة: 34]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. متفق عليه.
ومن المعلوم أن فساد هؤلاء ليس بسبب التزامهم بدينهم، بل بسبب مخالفتهم له، وبالتالي ففسادهم لا يدل على فساد الدين الذي يرفض هذا الفساد، وينهى عنه، ويتوعد فاعله بالعقوبة الشديدة في الأخرة، وأن أهله من أبعد الناس عن الله، ومن أشدهم عذابا يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وأفعله. متفق عليه.
وانظر الفتوى: 29581.
هذا مع مراعاة أن الفساد وإن وجد في المنتسبين للدين، إلا إنه في غيرهم أعم وأكثر.
وأننا كمسلمين نتحفظ على مصطلح (رجال الدين) بمفهومه الملي عند غير المسلمين، وراجع في ذلك الفتوى: 123565.
وأما كون الرسالة لم تصل إلى العالم بأسره، فهذا لا يشكل إلا على من يعتقد أن من لم تبلغه الرسالة يعاقب على معاصيه يوم القيامة! وهذا ليس بصحيح، بل مثل هؤلاء معذورون عند الله، وهم أهل الفترة، وراجع في ذلك الفتاوى: 59524، 121195، 399679.
وأما قول السائل: (كيف أنا أعبد الله وهو لا؟) فلا ندري ما وجهه!! فالمسلم يعبد الله تعالى بسبب إيمانه، وغيره لا يعبد الله تعالى بسبب كفره، وهذا هو واقع الناس بلا ريب، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، قال تعالى: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير [التغابن: 2].
وأما قول صديق السائل: (لا وجود للدين؛ لأن الأخلاق هي أفضل دين .. ) فهذا لا يقوله إلا من يجهل حقيقة الدين وحقيقة الإلحاد معا!! لأن الدين هو مرجع الأخلاق ومصدرها ومعيارها، ولولا الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، ووجود العقل والفطرة، لما صح وجود قيم مطلقة.
ولذلك فإن من إشكاليات الإلحاد الفظيعة، أنه يستلزم القول بنسبية الخير والشر، ونسبية الأخلاق، فالإنسان والطبيعة كلاهما في مفهوم الإلحاد ما هي إلا مادة، لا غاية لها، والطبيعة عندهم محايدة فلا تميز بين الخير والشر، ولا بين القبيح والحسن. وبالتالي، لا يمكن فهم أو تفسير القيم الأخلاقية من خلال قوانين الطبيعة المادية. فلا وجود للأخلاق بدون دين. وانظر للفائدة، الفتوى: 278767.
وعلى أية حال، فالأصل الذي يضيع كل شيء بفقدانه هو: الإيمان بالله تعالى وكمال صفاته وأفعاله، وأنه خلق الخلق لحكمة، ثم الإيمان باليوم الآخر الذي سيجازي الله تعالى فيه البشر ويحاسبهم على أعمالهم.
والله أعلم.