الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلماء الربانيون يتميزون عن غيرهم بالمنهج الذي يتبعونه

السؤال

من هم العلماء، والدعاة الذين نستمع إليهم، ونقتدي بهم في العصر الحالي؟ ومن هم العلماء، والدعاة الذين لا نستمع إليهم، ولا نقتدي بهم؟ هذا لأن كثيرًا من الناس يتحدثون عن الجرح والتعديل؛ حتى أصابنا الشك، والريب، فأفيدونا -بارك الله فيكم-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعلماء الربانيون العاملون الذين يستضاء بآرائهم، ويهتدى بأقوالهم، موجودون -والحمد لله- في الأمة بكثرة، وإن لم يعلم بهم كثير من الناس، وكذلك دعاة الضلالة، وعلماء السوء، اليوم أيضًا كثير.

والذي يميز العلماء الربانيين عن غيرهم، هو المنهج الذي يقتفونه، والنهج الذي يسيرون عليه، فالعلماء الربانيون المتبعون للكتاب والسنة قولًا وعملًا، والمتمسكون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء في باب العقائد أم الأعمال، ينفون عن الدِّين ما ليس منه من البدع، والخرافات، التي غزت عقول المسلمين، وقلوبهم، كما في الحديث الذي رواه البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. صححه الشيخ الألباني.

وأما علماء السوء، ودعاة الضلالة، فهم على نقيض ذلك، كما قال الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع: هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس...

فهم أصحاب ابتداع، وتحريف، وتعطيل للنصوص الشرعية، يشترون الدنيا بالدِّين، كما قال تعالى في أمثالهم من أهل الكتاب: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187]، وقال أيضًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34].

قد يأمرون بالمعروف، ولكنهم لا يفعلونه، وينهون عن المنكر، ولكنهم يأتونه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر!؟ قال: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر، وآتيه. رواه البخاري.

وفي هذا يقول ابن القيم -رحمه الله-: علماء السوء جلسوا على باب الجنة، يدعون الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، وهؤلاء يجب الحذر منهم، كما قال أبو قلابة من أئمة السلف: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما تعرفون.

قال الذهبي رحمه الله معلقًا بعد أن نقل هذا الأثر عن أبي قلابة، ونقل قوله أيضًا: إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا، وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال.
قلت أنا: وإذا رأيت المتكلم المبتدع، يقول: دعنا من الكتاب، والأحاديث، والآثار، وهات العقل، فاعلم أنه أبو جهل.

وإذا رأيت السالك التوحيدي، يقول: دعنا من العقل، والنقل، وهات الذوق، والوجد، فاعلم أنه إبليس، قد ظهر في صورة بشر، أو قد حل فيه....

وبالجملة؛ فإن عرفت ما يميز العلماء الربانيين عن غيرهم من علماء السوء، زال عنك الشك، والريب، وعلمت من هم العلماء الربانيون، الذين تستمع لهم، وتقتدي بهم في العصر الحالي، وغيره. وتتميمًا للفائدة، انظر الفتوى: 10893.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني