السؤال
هل هناك علاقة بين تحقق الرؤيا، وذنوب العبد؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكلما كان العبد أكثر صلاحا، كانت رؤياه أقرب إلى التحقق، وكان الأقل من رؤياه هو الأضغاث التي لا تتحقق.
ولكن قد يرى الكافر أو الفاسق الرؤيا فتتحقق، كما رأى الملك رؤيا صادقة في قصة يوسف -عليه السلام- وكان كافرا.
وقد يرى المؤمن الرؤيا، فتكون من حديث النفس، أو ما يحزن به الشيطان ابن آدم، لكن رؤيا المؤمن مظنة الوقوع والصدق، ورؤيا من كان بالضد من ذلك مظنة عدم ذلك، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين؛ وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر؛ لقلة تمكن الشيطان منهم. بخلاف عكسهم؛ فإن الصدق فيها نادر؛ لغلبة تسلط الشيطان عليهم.
قال: فالناس على هذا ثلاث درجات:
الأنبياء: ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.
والصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.
ومن عداهم: يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهي على ثلاثة أقسام:
مستورون: فالغالب استواء الحال في حقهم.
وفسقة: والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق.
وكفار: ويندر في رؤياهم الصدق جدا.
ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: وأصدقهم رؤيا، أصدقهم حديثا. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. وستأتي الإشارة إليه في "باب القيد في المنام" إن شاء الله تعالى.
وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار، كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف -عليه السلام-، ورؤيا ملكهما، وغير ذلك.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة. ومعنى صلاحها: استقامتها، وانتظامها. قال: وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة، وقيل: تعد من أقصى الأجزاء.
وأما رؤيا الكافر، فلا تعد أصلا.
وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء، فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء، وهو الاطلاع على الغيب.
وأما الكافر والفاسق والمخلط، فلا، ولو صدقت رؤياهم أحيانا، فذاك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل من حدث عن غيب، يكون خبره من أجزاء النبوة، كالكاهن، والمنجم.
وقوله: "من الرجل" ذكر للغالب، فلا مفهوم له، فإن المرأة الصالحة كذلك. قاله ابن عبد البر. انتهى.
والله أعلم.