السؤال
أسأل عن حكم الشرع في أن أبي يأمرني أن أترك وظيفتي، وحياتي الآمنة في السعودية، وأن أسافر معه للسودان، حيث لا وظيفة لي، ولا حياة، لمجرد أنه ذاهب إلى هناك، وهو بصحة جيدة، لا يحتاجني، ويقول لأن ليس عندي محرم في السعودية، يجب أن أذهب معه. مع العلم أنا أعمل بالمستشفى بمجال صحي، وعمري 29 سنة، راشدة، ولدت وعشت هنا، وأبي يعلم مكان عملي، ومكان سكني، وأشعر بالأمان هنا، ولا أرى مصلحة لي بالذهاب لبلد لا أعرف أشق طريقي فيه لمجرد أني ما تزوجت، وليس هناك محرم لي في السعودية.
هل في الشرع هذا حلال لأبي أن يأمرني بترك حياتي وعملي لأني ما تزوجت؟ ويأخذني لبلد ليس عندي فيه عمل، والأوضاع فيه سيئة؟
علما أنه يمكنني بالقانون أن أعصيه من ناحية الإجراءات، فليس له سلطة؛ لأن كفالتي ليست عليه، وقد حدثته، وشرحت له عن حياتي، ومستقبلي، فقال أنا سيسألني الله عنك؛ لأنك لم تتزوجي، ولن أتركك هنا بدون محرم. وقد سبق أن تركني أسافر للعمل بالرياض، وهو في جدة، ولم يمانع. أما الآن فيأخذني لبلاد أخرى، ويقول الشرع هو السبب.
أرجو إفادتي في الأمر. هل يحق لأبي ذلك؟ وهل علي شيء إن أنا رفضت طاعته في الذهاب؛ لأن فيه مفسدة، وضررا لي في حياتي، ومستقبلي، وصحتي الجسدية، والنفسية؟ هل علي إثم؟ مع العلم أنا أسكن بسكن المستشفى، ويوجد حارس أمن، وسكن نظامي، وأمن، ولا يوجد أدنى خطر علي هنا، ولا ضرر. عكس في حال ذهبت هناك للسودان، لا أشعر بالأمان. فما رأي الإسلام في ذلك؟ أرجو إفادتي. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجود المحرم مع المرأة يشترط في السفر دون الإقامة ، وانظري الفتوى: 130920. لكن في جواز إقامة البنت الرشيدة وحدها بعيدا عن أبويها عند أمن الفتنة؛ خلاف بين أهل العلم.
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين: وأفاده بقوله بلغت الجارية مبلغ النساء، إن بكرا ضمها الأب إلى نفسه إلا إذا دخلت في السن، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبت، حيث لا خوف عليها. انتهى.
وفي روضة الطالبين للنووي –رحمه الله-: وأما الأنثى إذا بلغت، فإن كانت مزوجة، فهي عند زوجها، وإلا فإن كانت بكرا، فعند أبويها، أو أحدهما إن افترقا، وتختار من شاءت منهما، وهل تجبر على ذلك؟ وجهان: أحدهما: نعم، وليس لها الاستقلال، والثاني: لا، بل لها السكنى حيث شاءت، لكن يكره لها مفارقتهما............. وهذا إذا لم تكن تهمة، ولم تذكر بريبة، فإن كان شيء من ذلك، فللأب والجد، ومن يلي تزويجها من العصبات منعها من الانفراد، ثم المحرم منهم يضمها إلى نفسه إن رأى ذلك. انتهى.
وعليه؛ فإن كان أبوك يخشى عليك، فالواجب عليه ألا يتركك وحدك، والواجب عليك طاعته في الانتقال معه.
وأما إذا كان يأمن عليك في البقاء في تلك البلاد بعيدا عنه؛ فلا يجب عليه نقلك معه. وإذا أصر أبوك على نقلك معه؛ فالواجب عليك طاعته في ذلك، إلا إذا كان عليك ضرر محقق في الانتقال معه. وراجعي الفتوى: 76303.
وعلى كل حال، فإن عليك بر أبيك، والإحسان إليه، فحق الوالد عظيم، وبره من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال:رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي: أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه. انتهى.
والله أعلم.