السؤال
منعت الصلاة في المساجد. فما حكم صلاة الجمعة في البيت، إذا اتفقت مع بعض أصدقائي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم تتوفر شروط صحة صلاة الجمعة؛ فالواجب هو صلاة الظهر في وقتها. وقد سبق لنا بيان هذه الشروط في الفتوى: 7637. ومنها تعرف أن صلاة الجمعة مع أصدقائك في البيت، لا تصح عند جمهور الفقهاء.
وإذا لم يكتمل عددهم أربعين، فلا تصح صلاتهم للجمعة في هذه الصورة، على أي وجه معتمد من مذاهب الأئمة الأربعة جميعا، وذلك لأن الحنفية يشترطون إذن الإمام لإقامة الجمعة.
والمالكية يشترطون لها المسجد. والشافعية، والحنابلة يشترطون العدد، وهو أربعون من أهل الوجوب، وكل هذا منتف في تلك الصورة. كما بينا في الفتوى: 416056.
وأما في الأوقات المعتادة حيث تقام الجمعة في المساجد، فلا تصح بلا ريب، وانظر الفتوى: 64335.
ومما يدل على أن الواجب هو صلاة الظهر في وقتها إذا لم تقم صلاة الجمعة بطريقة صحيحة، أن الأمراء في عهد بني أمية كانوا يؤخرون صلاة الجمعة حتى يخرج وقتها. وذلك في أواخر عهد الصحابة -رضي الله عنهم- ومع ذلك فالمنقول الثابت عن علماء السلف أنهم صلوها ظهرا في وقتها، ولم يجمعوا في بيوتهم أو بساتينهم ونحو ذلك.
فقد روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم بن مهاجر قال: كان الحجاج يؤخر الجمعة، فكنت أنا أصلي وإبراهيم وسعيد بن جبير نصلي الظهر، ثم نتحدث وهو يخطب، ثم نصلي معهم، ثم نجعلها نافلة.
وروى أيضا عن موسى بن مسلم، قال: شهدت إبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي وزرا وسلمة بن كهيل، فذكر زر والتيمي في يوم جمعة، ثم صلوا الجمعة أربعا في مكانهم، وكانوا خائفين.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن عطاء قال: أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى قال: فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس وهو يخطب. قال: أضع يدي على ركبتي وأومئ برأسي.
وقال ابن رجب في شرح صحيح البخاري: كان الصحابة والتابعون مع أولئك الظلمة في جهد جهيد، لا سيما في تأخير الصلاة عن ميقاتها، وكانوا يصلون الجمعة في آخر وقت العصر، فكان أكثر من يجيء إلى الجمعة يصلي الظهر والعصر في بيته، ثم يجيء إلى المسجد تقية لهم، ومنهم من كان إذا ضاق وقت الصلاة وهو في المسجد أومأ بالصلاة خشية القتل. وكانوا يحلفون من دخل المسجد أنه ما صلى في بيته قبل أن يجيء -ثم ذكر طائفة من الآثار في ذلك.
ثم قال: وهذا كله مما يدل على اجتماع السلف الصالح على أن تأخير الجمعة إلى دخول وقت العصر حرام، لا مساغ له في الإسلام. اهـ.
وفي هذا سنة ثابتة أيضا فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي العالية البراء، قال: قلت لعبد الله بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون الصلاة؟ قال: فضرب فخذي ضربة أوجعتني، وقال: سألت أبا ذر عن ذلك فضرب فخذي، وقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.
فتأخير الجمعة قد ورد السؤال عنه صراحة في السنة النبوية.
وقد أورد الحافظ أبو نعيم بن الحداد الأصبهاني هذا الحديث في كتابه (جامع الصحيحين بحذف المعاد والطرق) وبوب عليه: ذكر صلاة الظهر إذا أخر الإمام الجمعة عن الوقت، ولفظ آخره عنده: صلوا الظهر لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.
ولهذا استدل به ابن قدامة في المغني على صحة صلاة الظهر قبل صلاة الإمام، بالنسبة لمن لا تجب عليه الجمعة؛ كالعبد والمرأة والمسافر والمريض، وسائر المعذورين.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة): ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر. اهـ.
والله أعلم.