اشتراط عدم القصد للتفاؤل وحديث تحويل رداء رسول الله في الاستسقاء

0 22

السؤال

لقد أشكل علي الجمع بين قول أهل العلم في التفاؤل: إنه يكون عارضا، ولا يعمد إليه، ولا يقصد، وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء بتحويل ردائه، وقول أهل العلم عنه: إنه فعل مقصود للتفاؤل، فهنا قصد النبي صلى الله عليه وسلم فعلا ليتفاءل به، فهل يقصد التفاؤل، أو يعمد المرء إلى ما يتفاءل به أم لا؟ هذا إن صحت هذه علة لتحويل ردائه صلى الله عليه وسلم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر بعض أهل العلم أن التفاؤل المحمود شرعا شرطه أن لا يقصد، واعترض على من اشترط هذا بقصة تحويل النبي صلى الله عليه وسلم رداءه في صلاة الاستسقاء، فقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه فعله تفاؤلا، وهذه العلة هي التي نص عليها فقهاء المذاهب. والتعليل بها، يرد ذلك الشرط، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: واختلف في حكمة هذا التحويل: فجزم المهلب بأنه للتفاؤل؛ بتحويل الحال عما هي عليه. وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه، قال: وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه، قيل له: حول رداءك؛ ليتحول حالك.

وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل، والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات، أخرجه الدارقطني، والحاكم، من طريق جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر، ورجح الدارقطني إرساله. وعلى كل حال؛ فهو أولى من القول بالظن.

 وقال بعضهم: إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء، فلا يكون سنة في كل حال.

وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة، لا يقتضي الثبوت على العاتق.

فالحمل على المعنى الأول أولى؛ فإن الاتباع أولى من تركه؛ لمجرد احتمال الخصوص. اهــ.

وحديث جابر الذي أشار إليه الحافظ، رواه الدارقطني، والحاكم في المستدرك عن جابر قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحول رداءه؛ ليتحول القحط. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

والقول بأن علة تحويل الرداء هي التفاؤل، هو ما نص عليه الفقهاء، كما ذكرنا، ففي الفواكه الدواني، من كتب المالكية: والسر في التحول المذكور: التفاؤل بأن الله تعالى يحول ساعة الجدب بساعة الخصب، وساعة العسر بساعة اليسر. اهـ.

وفي نهاية المحتاج، من كتب الشافعية: ويحول الخطيب رداءه عند استقباله القبلة، تفاؤلا بتغير الحال من الشدة إلى الرخاء؛ للاتباع. وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن. اهــ.

ومثله قول ابن قدامة -الحنبلي- في المغني: وقد عقل المعنى في ذلك، وهو التفاؤل بقلب الرداء؛ ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب، وقد جاء ذلك في بعض الحديث. اهــ.

وقال ابن الهمام -الحنفي- في فتح القدير: واعلم أن كون التحويل كان تفاؤلا، جاء مصرحا به في المستدرك من حديث جابر، وصححه، قال: حول رداءه ليتحول القحط. وفي طوالات الطبراني من حديث أنس: وقلب رداءه؛ لكي ينقلب القحط إلى الخصب. وفي مسند إسحاق: لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب. ذكره من قول وكيع. اهــ.

قال الشيخ محمد آدم الاثيوبي في شرح سنن النسائي: عندي أن الأرجح مشروعية التحويل، وأنه للتفاؤل؛ لحديث جابر -رضي الله عنه- المذكور. اهــ.

وإذا كان الأمر -كما ذكرنا- من أن العلة هي التفاؤل، فإن اشتراط عدم القصد في جواز التفاؤل، قول مرجوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات