الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى للمسلم دعاء الله عز وجل بالأدعية الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، وأعلاها ما كان مأثورا في الوحي من الكتاب والسنة، وأن يبتعد عن الأدعية المحدثة المتكلفة، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. أخرجه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم.
وأما الاعتداء في الدعاء: فهو سؤال الله المحرمات، أو ما جرت سنة الله بأنه لا يفعله، قال ابن تيمية: وقوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين}، قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء، وغير ذلك، وقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور، والدعاء.
وعلى هذا؛ فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.
وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب.
ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. اهـ.
فقولك: (لا أدعو أن يحسن الله خلقي وخلقي ... وأدعو أن يزيدني الله جمالا)، فالدعاء بحسن الأخلاق مشروع بلا إشكال.
وأما الدعاء بجمال الصورة وتحسين الخلقة، فهو من الاعتداء، كما سبق في الفتوى: 362227.
وقد جاء في مسند أحمد، وصحيح ابن حبان عن ابن مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم حسنت خلقي، فحسن خلقي.
وقولك: (وأن يجعلني كصفات النبي محمد عليه أفضل السلام، كأن أكون كالنبيين من حيث الصفات الحسنة والدين)، فلا ريب في أن هذا من الاعتداء في الدعاء.
وقولك: (وقرأت أنه يجوز الدعاء بأن نكون من أهل الله وخاصته، وأن نكون من الأولياء الصالحين مع الحفظة الكرام البررة، مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفردوس الأعلى، وأن يعينني ربي على حفظ كتابه الكريم، فهل هذا جائز حقا؟ وأدعو أيضا أن يطفئ الله شهوتي، ولا يأذن إلا بما يرضيه بالحلال، وأن يعيذني من شر نفسي وشر الشيطان، ويجيرني من المعصية، وأن لا يجعلني من العادين، فهل هذا جائز؟) فهذه الأدعية جائزة، وليس فيها محذور، وليست من الاعتداء.
وقولك: (ويغض أبصار الناس عني)، فإن كان المراد ألا ينظر إليك أحد من الناس: فهو من الاعتداء في الدعاء، وهل هناك أحد من البشر لا ينظر الناس إليه؟!
وقولك: (وأن يزوجني زوجا فيه من الصفات كذا وكذا، ويكون حسن الأب، وأن لا يتزوج بأخرى غيري، فهل هذا جائز؟)، فلا مانع من الدعاء بهذه الأدعية، وانظري الفتوى: 325594.
وقولك: (وقد سمعت من صديقتي أن أمها دعت أن لا يأتيها أحد من الخاطبين غير الذي فيه نصيب، ولم يأتها أحد غير الذي تزوجها، فهل هذا جائز؟)، فلا يظهر محذور في هذا الدعاء، لكن الأولى أن تدعو لها بأن يزوجها الله رجلا صالحا.
وقولك: (وأنا أيضا أدعو لزوجي، وأهل زوجي، وأولادي، وأنا لا أعرفهم، فأنا عازبة لم يسبق لي معرفتهم أبدا، فهل جائز؟)، فهذا الدعاء على ما فيه من تكلف لا يظهر ما يقتضي تحريمه، وانظري الفتويين: 262408، 285001.
وقولك: (وأنا أخاف أن أكون من المعتدين، ولا أعرف بماذا أدعو؟ وصرت أخاف أن أدعو أن يحقق ربي أحلامي، كأن أسافر مثلا، ولا يكون ذلك خيرا)، فينبغي تعليق مثل هذا الدعاء على شرط علمه تعالى فيه الخيرة، قال ابن القيم: فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بدا، فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة، وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه، ولا قدرة له عليها، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها. ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك، وانفرط عليه أمره.
وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال: تسأله أن يجعله عونا على طاعته، وبلاغا إلى مرضاته، ولا يجعله قاطعا لك عنه، ولا مبعدا عن مرضاته، ولا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه. اهـ. من مدارج السالكين.
والله أعلم.