أضواء على القراءات القرآنية واشتهار القراء السبعة

0 28

السؤال

أريد أن أسأل: لماذا اقتصر الإمام ابن مجاهد على السبع قراءات -التي أصبحت عشرة- للقرآن الكريم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقراء القرآن المتقنون في عهد التابعين لا يحصون كثرة، فضلا عن تابعيهم، فضلا عن أتباعهم، وكثير منهم يأخذ القراءة عن عدة من الشيوخ، فتتعدد طرق قراءته، وضبط ذلك في النقل عنهم من الصعوبة بمكان. فعمد من بعدهم – ومنهم ابن مجاهد - إلى اختيار إمام من كل ناحية، يكون مشهورا بالإتقان، مجمعا على جلالته وإمامته، وضبطه وعدالته، واقتصروا على النقل عنه؛ طلبا لضبط القراءات، وسهولة الحفظ، وإتقان النقل.

وكان أشهر هؤلاء هم القراء السبعة الذين اقتصر عليهم ابن مجاهد، قال مكي بن أبي طالب في الإبانة عن معاني القراءات: فإن سأل سائل فقال: ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هو فوقهم، فنسبت إليهم السبعة الأحرف مجازا، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم، ممن هو أعلى درجة منهم، وأجل قدرا؟ فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء، كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان مصحفا إماما، هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر، فكان أبو عمرو من أهل البصرة. وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها. والكسائي من أهل العراق. وابن كثير من أهل مكة. وابن عامر من أهل الشام. ونافع من أهل المدينة. كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحال الناس إليه من البلدان. ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف، ولا القراءة بذلك. وأول من اقتصر على هؤلاء: أبو بكر بن مجاهد قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها، وتابعه على ذلك من أتى بعده، إلى الآن. ولم تترك القراءة بقراءة غيرهم، واختيار من أتى بعدهم إلى الآن، فهذه قراءة يعقوب الحضرمي غير متروكة. وكذلك قراءة عاصم الجحدري. وقراءة أبي جعفر وشيبة إمامي نافع. وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عبيد واختيار المفضل. اهـ. وانظري الفتوى: 134670.

وهنا ننبه على أن قول السائلة: (التي أصبحت عشرة) قول موهم! فحصر القراء أو القراءات في: خمس، أو سبع، أو عشر، أو ثلاث عشرة، أو غير ذلك، إنما يراد به ما جمع في مصنف معين، وإلا فكل ما تواتر نقله من القراءات، مما يستقيم وجهه في العربية، ويوافق خط المصحف: فهو قرآن.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: صنف ابن جبير المكي - وكان قبل ابن مجاهد - كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة، اختار من كل مصر إماما، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار. ويقال: إنه وجه بسبعة، هذه الخمسة، ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين، لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا، وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد، فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر بها، وهو أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة، ولم يكن له فطنة فظن أن المراد بالقراءات السبع الأحرف السبعة، ولا سيما وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة، فقالوا: قرأ بحرف نافع، بحرف ابن كثير، فتأكد الظن بذلك. وليس الأمر كما ظنه، والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع، ويستقيم وجهه في العربية، ويوافق خط المصحف .... وقال ابن السمعاني في الشافي: التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، فانتشر رأيهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك. قال: وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر شيئا كثيرا من الروايات عنهم غير ما في كتابه، فلم يقل أحد إنه لا تجوز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف عنه. .... وقال الكواشي: كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الإمام، فهو من السبعة المنصوصة، فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات، عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف، ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ. قلت وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية، وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان، وآخر من صرح بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ: صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ! توهما منه انحصار المشهور فيها، والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين: الأول: ما يخالف رسم المصحف، فلا شك في أنه ليس بقرآن. والثاني: ما لا يخالف رسم المصحف، وهو على قسمين أيضا: الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول. والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا، فهذا لا وجه للمنع منه، كقراءة يعقوب وأبي جعفر وغيرهما. ثم نقل كلام البغوي وقال: هو أولى من يعتمد عليه في ذلك، فإنه فقيه محدث مقرئ ... اهـ.

وهذا الكلام مختصر من كلام ابن الجزري في (النشر في القراءات العشر).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة