السؤال
أسأل عن حكم قول المرء: "بفضل فلان وقع كذا".
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة تكون صحيحة إذا كان لفلان المذكور أثر حقيقي في حصول الشيء؛ لأن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم -سواء كان السبب شرعيا أم حسيا- جائزة.
أما إضافة الشيء إلى ما ليس بسبب -لا شرعا، ولا حسا-؛ فإنها حرام، وقد يكون ذلك شركا، وذلك مثل إضافة حصول أمر لا يحدثه إلا الله إلى أحد من المخلوقين؛ فإن هذا من الشرك في الربوبية.
وكذلك يختلف حكم هذه العبارة باختلاف ما وقع في قلب القائل:
فإذا وقع في قلبه أن فلانا مجرد سبب، وأن الله تعالى هو المتفضل بحصول المراد، لأنه لا يحصل شيء في الكون إلا بمشيئة الله وتقديره؛ فذلك جائز.
ويدل على الجواز ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله، ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
وأما إذا اعتقد أن السبب مؤثر بذاته دون تقدير الله تعالى ومشيئته، أو كان غافلا عن كون الله تعالى هو المنعم على الحقيقة، ولولا فضله وإحسانه ما وصله شيء من النعم، ولا اندفع عنه شيء من النقم؛ ففي هاتين الصورتين تكون إضافة الشيء إلى سببه محرمة، وقد تكون شركا أصغر أو أكبر بحسب اعتقاد القائل.
ولا ينبغي أن يشكل ما سبق تقريره مع ما ورد عن عون بن عبد الله في بيان معنى قول الله تعالى: يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها [النحل:83]، حيث قال: يقولون: لولا فلان؛ لم يكن كذا. فإن هذا القول لا يكون حراما، إلا إذا اعتقد القائل أن السبب مؤثر بنفسه، وليس بمشيئة الله، أو إذا أضافه إلى ما ليس بسبب -لا شرعا ولا حسا-، كما بين ذلك الشيخ ابن عثيمين في شرحه لكتاب التوحيد عند تعليقه على كلام عون بن عبد الله السابق، حيث قال: قوله: (وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان، لم يكن كذا)، وهذا القول من قائله فيه تفصيل: إن أراد به الخبر، وكان الخبر صدقا مطابقا للواقع؛ فهذا لا بأس به. وإن أراد بها السبب؛ فلذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون سببا خفيا لا تأثير له إطلاقا، كأن يقول: لولا الولي الفلاني ما حصل كذا وكذا؛ فهذا شرك أكبر؛ لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا الولي تصرفا في الكون مع أنه ميت، فهو تصرف سري خفي.
الثانية: أن يضيفه إلى سبب صحيح ثابت شرعا أو حسا؛ فهذا جائز؛ بشرط أن لا يعتقد أن السبب مؤثر بنفسه، وأن لا يتناسى المنعم بذلك.
الثالثة: أن يضيفه إلى سبب ظاهر، لكن لم يثبت كونه سببا -لا شرعا ولا حسا-؛ فهذا نوع من الشرك الأصغر، وذلك مثل: التولة، والقلائد التي يقال: إنها تمنع العين، وما أشبه ذلك؛ لأنه أثبت سببا لم يجعله الله سببا، فكان مشاركا لله في إثبات الأسباب.
ويدل لهذا التفصيل أنه ثبت إضافة (لولا) إلى السبب وحده بقول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: لولا أنا؛ لكان في الدرك الأسفل من النار، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الشرك، وأخلص الناس توحيدا لله تعالى، فأضاف النبي صلى الله عليه وسلم الشيء إلى سببه، لكنه شرعي حقيقي، فإنه أذن له بالشفاعة لعمه بأن يخفف عنه، فكان في ضحضاح من النار، عليه نعلان يغلي منهما دماغه. انتهى.
والله أعلم.