للابن إذا بلغ الرشد أن ينفرد بالإقامة وحده ويجب عليه عدم هجر والديه

0 8

السؤال

أنا شاب مسلم أبلغ من العمر أربعة عشر عاما ونصفا، وأعيش في إسبانيا، وأنا الآن مريض جدا دون ملابس، ولا طعام، ولا أي شيء، ولا أحد في بيتنا يحبني -لا أبي، ولا أمي، ولا أخواتي-، والكل يذلني ويحتقرني؛ حتى هربت من البيت منذ ثلاثة أشهر، وأمي تطلب مني دائما أن أفعل أشياء لم يخلق الله الرجال لها -مثل تنظيف البيت، والغسيل، ومساعدتها في المطبخ-، رغم أن عندي أربع أخوات، لكنها تقول: لا بد أن تساعدهن، وإلا فأنت عاق لي، وأنا لا أريد ذلك.
وأبي دائما يكذب علي، ولا يتركني أخرج من البيت مطلقا إلا مرة نادرة معه، ويقول: هذا لكي تراجع دروسك، وفي أيام العطلة يقول لي: اجلس مع أمك، وساعدها، واذكر الله، فهذا أحسن لك من الخروج.
وأشتكي له دائما من ظلم أمي وأخواتي، فيقول لي: أنت المخطئ، ويعلم الله أني دائما المظلوم بينهن.
وقد قال لي: احفظ القرآن، وسأشتري لك دراجة، فحفظت القرآن، وعندما قلت له: اشتر لي الدراجة، قال: احفظ عمدة الأحكام، والجزرية، وتحفة الأطفال؛ فحفظتهن، عندها قال لي: لا أحب لك الدراجة، فهي خطيرة عليك، فهو يكذب فقط، والله لا يحب الكذابين، وهو يقول: إنه متدين من المسلمين.
قبل فترة جاءني أصدقائي في البيت، فقالت أمي أمامهم: يا فلان، قم نظف الصالة، وتعال إلى المطبخ؛ لكي تساعدني، فضحكوا علي، وقالوا لي: هل أنت فتاة؟ وعندما ذهبنا إلى المدرسة كان الكل في الصف يسخر مني، فهل خلق الرجال للتنظيف وأعمال البيت؟ وعندي أصدقاء ليسوا مسلمين، أمهاتهم يعاملنهم أحسن معاملة.
وذات مرة كنت مع زميل لي يدخن، وسلمت عليه لأودعه، وعندما رجعت إلى البيت كانت في ملابسي رائحة الدخان؛ فغضب أبي، فقلت له: أنا لا أدخن، بل هذا صديقي، فضربني وسجنني في البيت شهرا، لم أخرج فيه ولا مرة واحدة، وكان البرد شديدا، وأمي وقفت في صفه ضدي.
وسبب هروبي من البيت هو أنني كنت جالسا أنا وأخواتي نشاهد التلفاز، فقالت إحداهن: يا بنت، قومي اغسلي الصحون، فطلبت منها أن تحترم نفسها، وتسكت، فلم تسكت، وضحكت وضحكن؛ فغضبت، وضربتها على رأسها؛ فخرج منها دم كثير، فضربتني أمي، فهربت من البيت؛ لأني أعرف أن أبي سيقتلني لو رجع للبيت.
كرهت كل شيء -أمي، وأبي، وأخواتي-، وأنا الآن أعيش وحيدا في مكان بعيد، ولا أحد معي، والكل ضدي.
وسمعت أنهم يبحثون عني، ووضعوا صورتي واسمي عند الشرطة، وأنا متأكد أنهم يريدون ضربي وسجني في البيت، وإذلالي فقط لا شيء آخر، فلماذا أرجع لهم!؟ فأنا لا أريد الرجوع، وأريد أن أسكن بعيدا، ولا أسمع أصواتهم مرة ثانية، فهل هذا حرام؟ أليس لكل أحد الحرية في حياته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالوالدان مفطوران على محبة أولادهما، ومهما ظهر منهما من الشدة عليهم في بعض الأحوال؛ فالأصل أن وراء ذلك حرص الوالدين على الخير لأولادهم، وليس كما يتوهم بعض الأولاد أن وراء ذلك عدم المحبة، أو الرغبة في التسلط والإذلال.

وإذا وقع من الوالدين ظلم لبعض الأولاد، أو تقصير في حقهم؛ فكل ذلك لا يسقط حقهما عليهم في البر، والمصاحبة بالمعروف؛ فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}.

واعلم أن المعاونة في أعمال المنزل، ليست عارا يخجل منه الرجل، أو يشعر أنه مناف لرجولته، وما خلق من أجله، بل هي عمل صالح، وهدي نبوي، فهذا أكمل الرجال وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم كان يعاون أهله في بيته، ففي صحيح البخاري عن الأسود، قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله-، فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة.

وفي مسند أحمد عن هشام، عن أبيه، قال: قيل لعائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كما يصنع أحدكم: يخصف نعله، ويرقع ثوبه".

وعلى أية حال؛ فإن لوالديك عليك حقا؛ فلا يجوز لك هجرهما بالكلية؛ فإن ذلك من العقوق المحرم.

واعلم أن الابن إذا بلغ الرشد، فله أن ينفرد بالإقامة وحده، لكن لا يهجر والديه، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه. فإن كان رجلا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما. انتهى.

والذي ننصحك به أن ترجع إلى والديك.

وإذا كان منهما إساءة في معاملتك، أو إيذاء لك بغير حق؛ فوسط بعض الأقارب، أو غيرهم من الصالحين ليكلموهما في ذلك حتى يحسنا إليك.

وإذا لم يكن هناك سبيل لتجنب الأذى، إلا بترك البيت؛ فانتقل إلى بعض الأقارب الصالحين.

وإن لم يكن، فابحث عن صحبة صالحة تقيم معهم، يحفظون عليك دينك، ويجنبونك الضياع في تلك البلاد.

ولا تقطع والديك أبدا، ولكن أحسن إليهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة