السؤال
أردت أن أسأل عن توبة من أرسل لشخص رسالة يعتدي فيها على عرضه، والشخص لا يعرف من المرسل، وعندما تاب أرسل له رسالة اعتذار دون ذكر اسمه، ولا السبب. فهل توبته صحيحة؟
وهل إذا ما زال حق هذا الشخص علي؛ يأتي الله يوم القيامة به، ويكشف عني ستره الجميل؛ لكي يأخذ حق هذا الشخص؟
أنا حقا أريد الستر. فهل يجب أن أذكر لهذا الشخص السبب، وأستسمحه؟ لأنه قد لا يرضى لو عرف سبب اعتذاري، وقد مضى على الأمر سنوات عديدة، ولكنني خائفة جدا من يوم الحساب، وأريد الستر.
وأنا أدعو أن يرضيه الله في الدنيا والآخرة، ويغفر له، وأن لا يكشف أمري في الآخرة. فهل هذا ممكن؟
وقد ارتكبت هذه الخطيئة في بداية بلوغي، ولم أعلم أنني مكلفة لجهلي بذلك. فما حكم تلك الذنوب؟
شكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي ما تحصل به البراءة من حقوق الآدميين المعنوية؛ كالغيبة ونحوها قولان لأهل العلم.
القول الأول: أن الواجب استحلال الشخص صاحب الحق منها، ويكون ذلك في الصورة المذكورة بأن تكتبي إليه أنك تطلبين مسامحته. وهل يكفي الاستحلال العام أم لا بد من إعلامه بأنك قد اغتبته مع ذكر الأمر الذي اغتبته فيه؟ في ذلك خلاف ذكره الإمام النووي في الأذكار قال: اعلم أن كل من ارتكب معصية لزمه المبادرة إلى التوبة منها، والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء: أن يقلع عن المعصية في الحال، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم ألا يعود إليها. والتوبة من حقوق الآدميين يشترط فيها هذه الثلاثة، ورابع: وهو رد الظلامة إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها، والإبراء منها؛ فيجب على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبة حق آدمي، ولا بد من استحلاله من اغتابه، وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتك، فاجعلني في حل، أم لا بد أن يبين ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله: أحدهما: يشترط بيانه، فإن أبرأه من غير بيانه لم يصح؛ كما لو أبرأه عن مال مجهول. والثاني: لا يشترط، لأن هذا مما يتسامح فيه، فلا يشترط علمه بخلاف المال. والأول أظهر، لأن الإنسان قد يسمح بالعفو عن غيبة دون غيبة. انتهى
وقال ابن القيم في مدارج السالكين: والمعروف في مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك اشتراط الإعلام والتحلل هكذا ذكره أصحابهم في كتبهم، والذين اشترطوا ذلك احتجوا بأن الذنب حق آدمي: فلا يسقط إلا بإحلاله منه وإبرائه، ثم من لم يصحح البراءة من الحق المجهول شرط إعلامه بعينه لا سيما إذا كان من عليه الحق عارفا بقدره، فلا بد من إعلام مستحقه به؛ لأنه قد لا تسمح نفسه بالإبراء منه إذا عرف قدره، واحتجوا بالحديث المذكور وهو قوله: من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض، فليتحلله اليوم. قالوا: ولأن في هذه الجناية حقين: حقا لله، وحقا للآدمي؛ فالتوبة منها بتحلل الآدمي لأجل حقه، والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه. قالوا: ولهذا كانت توبة القاتل لا تتم إلا بتمكين ولي الدم من نفسه؛ إن شاء اقتص، وإن شاء عفا، وكذلك توبة قاطع الطريق. انتهى .
القول الثاني: أنه يكفي الاستغفار للشخص، والدعاء له بخير، لا سيما إذا خيف أن تترتب على إخباره مفسدة أعظم، وهذا القول هو الراجح؛ كما سبق بيانه في الفتويين التاليتين: 18180، 412702.
وإذا كان مجرد الاستغفار له مجزئا عنك -إن شاء الله- فإن ما فعلته من استحلاله استحلالا عاما أولى أن يكون مبرئا لذمتك، وعليك أن تكثري من الاستغفار والدعاء له، وبذلك تبرأ ذمتك -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.