السؤال
وقعت معي حادثة، وأريد الحكم الشرعي، ورأي الدين فيها:
كنت مسافرا للدراسة خارج البلاد بدون عائلتي، ومن فترة لأخرى أطلب من زوجتي أن تعطي أمي بعض المال للمعونة، تقتصه من مبلغ تركته لزوجتي وأبنائي لمصاريفهم واحتياجاتهم، وكانت تعطيها ما أشور عليها به من مال لأمي أو لإخوتي، وكنت أتأكد من زوجتي على التسليم، وحدث بعد عودتي بزمن -وأنا أتحدث مع أمي- أن جاء ذكر مبلغ من المال كنت قد طلبت من زوجتي أن تعطيه لأمي وهو ما قيمته (100$)، فذكرت لي أنها لم تستلم هذا المبلغ، ولم تأخذه من زوجتي، وأقسمت وغضبت، وذهبت لزوجتي، وأكدت لها عدم تسلمها لهذا المبلغ، وزوجتي تؤكد لها ذلك، وغضبت أمي غضبا شديدا، وغضبت زوجتي لتأكدها من تسليمها هذه القيمة من المال وغيره لأمي، وأحضرت مصحفا، وأقسمت عليه، وكان تدخلي في الأمر بأن أكدت لأمي لثقتي بأمانتها أنها صادقة وأنا أصدقها، وأكدت لزوجتي لثقتي بها، وكثرة معاملتي معها في هذا الجانب بأنها صادقة وأنا أصدقها.
وحاولت أن أوفق بينهما بقول: إن النسيان لطول الزمن قد يكون غيب عنهما ما فعلاه باستلام وتسليم المال، مع تفصيل وتأكيد زوجتي على كيفية إعطاء المال، ومكانه، ووقته، وكيف أخذته، ولكن أمي بقيت زعلانة وغاضبة مع اعتذار زوجتي، وتقبيلها لرأسها، وطلب السماح منها، وتأكيدها لها بأن الإنسان معرض للنسيان، ولكن أمي لم تسامح من قلبها، وحملت الأمر في نفسها حتى اللحظة، وما زالت تذكره، وتحدث به العائلة.
وقد تعرضت للنقد من إخوتي، وأنه كان يجب علي تكذيب زوجتي، وتوبيخها لإنصاف أمي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سلكته هو الصواب، وهو التماس العذر لكل من أمك وزوجتك، والنسيان وارد في مثل هذا، وإصرار كل منهما على ما ذهبت إليه بناء على ما غلب على ظنها أنها صادقة فيه؛ أمر تعذر فيه كل منهما، فجزاك الله خيرا على ما سلكت من مسلك الحكمة.
ونرجو أن تستمر في ذلك، وأن تحرص على الإصلاح ما بين أمك وزوجك؛ فإن الإصلاح بين الناس من أعظم القربات، قال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {النساء:114}.
وروى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك الدين، كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل: هي قطيعة الرحم والتظالم. قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين، واجتناب عن الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه. اهـ.
وانتقاد إخوتك لك في تصرفك في هذا الموقف في غير محله، ولم يوفقوا فيما قالوا لك من أنه كان الواجب عليك تكذيب زوجتك إنصافا لأمك، فلا يجوز لك شرعا أن تظلم زوجتك مراعاة لأمك، فليس هذا من الإنصاف في شيء، ولا هو من البر بأمك.
والله أعلم.