السؤال
أنا فتاة غير متزوجة، أبلغ من العمر 20 سنة، أعاني من ظلم والدي الشديد لي، وكلما تعاملت معهما بالحسنى، ألقى المر الشديد، وهما يميزان بيني وبين إخوتي، وأخي الأصغر مني عاق جدا، ومع ذلك يحبانه، ويهتمان به، وإذا أساء لهما يعاملانه بالحسنى، وينصحانه، ويخافان منه إذا علا صوته، أما أنا فأتعامل معهما دائما بالحسنى، والله شهيد علي.
صحيح أنني لا أستطيع الصمت أحيانا عندما يظلمانني، وقد يرتفع صوتي قليلا، ولكنني أندم، وأحاول الإصلاح، وأحيانا كثيرة أسكت وأحتسب.
أبواي يظلمانني ظلما شديدا، ويضربانني، ويهينانني بأقسى الكلام، ويتهمانني في شرفي، مع أنني بريئة -والحمد لله-، وينهالان علي بالضرب المبرح، فقد ضربني أبي لأني طلبت منه قليلا من المال؛ لاستخراج ورقة دراسية، مع أنه يصرف على دراسة أخي، ويقول له: ادرس فقط، وأنا عند أول مرة أطلب منه نقودا للدراسة انهال علي بالضرب المبرح؛ لأني خرجت عن صمتي، وقلت: لماذا تفرق بيننا؟ ولكني لم أسئ الأدب عليه، أو أسبه -والعياذ بالله-، وأمي تضربني دون سبب، وأنا أحسن النية بها -والله شهيد علي-، وكثيرا ما يظلمانني، وبعدها أدعو لهما في صلاتي بالخير، والجنة، والصحة، ولكن الأمر تجاوز الحد.
مللت الظلم، والضرب، والقسوة، فلا هي أم حنون، ولا هو أب حنون، ويتهمانني بالعقوق، ويلعنانني ظلما، ووالله، ثم والله إنني لم أنو يوما شرا لهما، أو أذيتهما.
وعندما أكلمهما يفتعلان المشاكل، ونفسيتي تعبت كثيرا لدرجة أنني لا أنام الليل، والنفس ينقطع فجأة، والحل عندي أن أنعزل عنهما، وأدرس، وأكف شرهما عني، ولا أخالطهما كثيرا في الحديث؛ لأن الحديث معهما يسبب لي ضررا، ومرضا، وأرقا، فهل يجوز أن لا أتحدث معهما كثيرا، مع أنهما يعاديانني، ويقاطعانني؟ وهل يجوز أن لا أتكلم معهما، وفي نفس الوقت لا أؤذيهما بشيء؛ لأن التقرب لهما يؤذيني في صحتي؟ أرجو جوابا سريعا، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت من ظلم والديك لك، وقسوتهما عليك، وإساءتهما معاملتك، خلاف الأصل الذي هو كون الوالدين قد جبلا على الشفقة على الأولاد، والحرص على مصلحتهم، وعدم إلحاق أي نوع من الضرر والأذى بهم، وخاصة البنات؛ لضعفهن، وحاجتهن لمزيد من الرعاية، والعناية؛ ولذلك جاءت نصوص خاصة في فضل تربيتهن، والإحسان إليهن، ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه.
وكون الأمر يصل لدرجة اتهامك في شرفك، فهذا أمر في غاية الغرابة والخطورة، فقد قال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا {الأحزاب:58}، وراجعي الفتوى: 93577.
ومن أهم ما نرشدك إليه البحث عن سبب هذه المعاملة السيئة، والعمل على العلاج بما يناسب، فقد يكون وقع منك تصرف غير مقصود أغضبهما، أو شيئا أساءا فهمه.
ويمكنك طلب الشفاعة عندهما من بعض من له مكانة عندهما؛ ليعين على الإصلاح.
وقد أحسنت بصبرك على هذا الجفاء من والديك، وحرصك على برهما، والإحسان إليهما، والدعاء لهما بخير، والحذر من الوقوع في العقوق، فجزاك الله خيرا.
وما كان منك من زلة، ورفع الصوت عليهما في إحدى المرات، أمر منكر، وقد أحسنت بالندم عليه، ولكن اجعلي من هذا الندم توبة باستيفاء شروطها، وهي مبينة في الفتوى: 29785.
ولا حرج عليك في الابتعاد عنهما، وتقليل الكلام معهما بالقدر الذي يدفع عنك أذاهما، مع الحرص على برهما، والإحسان إليهما بما هو ممكن، ومن ذلك الاستمرار في الدعاء لهما، وتفقد حالهما، وكل ما يمكن فعله من البر، والإحسان، جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب في بيان معنى البر: والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة. اهـ.
والله أعلم.