قراءة القرآن من الحفظ ومن المصحف

0 21

السؤال

كي لا أطيل عليكم، أشرع في سؤالي مباشرة؛ لأني إن بدأت في التعليق على فضلكم لن أنتهي -لشرف علمكم- وأشكركم جزيل الشكر، وفقكم الله وسدد خطاكم.
سؤالي يقول: كما تعلمون أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يحزبون القرآن في سبعة أيام، (يعني في أسبوع) على التقسيم الوارد في حديث أوس حين سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه أبو داود.
وكما هو معلوم أنه إذا كانت القراءة من المصحف -يعني نظرا- وعن ظهر قلب -يعني من الحفظ- سواء في أيهما أخشع لقلب القارئ، فتقدم القراءة من المصحف على غيرها؛ لجمعها بين فضل التلاوة، وفضل النظر في المصحف.
فالصحابة -رضي الله عنهم- حافظون للقرآن، ومراجعة القرآن لتثبيت المحفوظ تكون عن ظهر قلب، إذ لو كانت من المصحف ما كفت.
فهل هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يختمون القرآن في سبعة أيام عن ظهر قلب -لتكون تثبيتا للمحفوظ- أم من المصحف -لكونه أفضل كما سبق-؟
وذكرت هذا المثال ليتم تطبيقه على حافظ القرآن.
فهل يختم القرآن في سبع عن ظهر قلب -تثبيتا للمحفوظ- أم من المصحف -لكونه أفضل-؟ وذلك لأنه يشق ختمه مرتين في أسبوع، مرة نظرا وأخرى حفظا. فأيهما أولى في هذه الحال؟
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحديث أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ‌يحزبون ‌القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم.
ولم نجد في أي من طرقه ورواياته، ولا كلام الشراح عليه: النص على أن قراءتهم كانت من المصحف أو من الحفظ. والأمر في ذلك واسع.

وأما من حيث الأفضلية والاختيار: فالذي نراه للسائل أن يجعل لنفسه في كل أسبوعين ختمتين، إحداهما من المصحف، والأخرى من حفظه، فيجمع بذلك المصلحتين، وينال الفضيلتين.

وقد ذكر الحليمي -وتبعه البيهقي- في شعب الإيمان، وجوها في تعظيم القرآن، فذكرا منها: أن لا يعطل مصحفا إن كان عنده، ولا يأتي عليه يوم إلا ينظر فيه وإلا يقرأ منه، وإن كان ‌يحفظ ‌القرآن قرأه من ‌المصحف وقتا، وغير ناظر فيه وقتا، ولا يهمله إهمالا. اهـ.
والأفضل أن يجعل التي من حفظه في الصلاة، ولا سيما من الليل، وهذا هو الأقرب لحال السلف، كما قال خيثمة: دخلت على عبد الله بن عمرو، وهو يقرأ في المصحف، فقلت له؟ فقال: هذا حزبي الذي أقرأ به الليلة. رواه المستغفري في فضائل القرآن.
وقال ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار: كانوا يحزبون القرآن فيجعلون لأنفسهم منه في كل ليلة حزبا يقرؤونه. وكان كل من جعل منهم لنفسه حزبا أوجبه وحافظ عليه ولزمه، كما كان يواظب على الصلاة التي كان يلزمها نفسه من الليل، ولا يفرط في القيام بقراءة ما ألزم نفسه قراءته من حزبه في صلاته من الليل، كما لا يفرط في حظه من صلاته بالليل على قدر ما ألزم نفسه من ذلك. وبالذي قلنا من ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في إسناده بعض ما فيه. اهـ.
ثم أسند حديث أوس السابق. ثم قال: يعني بحزبه: جماعة السور التي كان يقرؤها في صلاته التي كان يصليها من الليل. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى، والفتاوى الكبرى- : الأمر بالقراءة والترغيب فيها يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره، فإن ‌قراءة ‌القرآن ‌في ‌الصلاة ‌أفضل منها خارج الصلاة، وما ورد من الفضل لقارئ القرآن، يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره. اهـ.
وقال النووي في الأذكار: اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة. اهـ.
وقال ابن علان في شرحه الفتوحات الربانية: قال ابن حجر في شرح المشكاة: وذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ لما يحصل للقلب فيها من الخشوع والخضوع. ولا شك أن في القراءة مع ذلك استغراق القلب في تدبر القرآن، الموجب لمزيد الإقبال على الله تعالى والتخلق بالأخلاق العلية، ما ليس في القراءة خارجها. اهـ.
هذا مع ما في التلاوة في الصلاة خصوصا من تثبيت الحفظ وإتقانه، كما يدل عليه حديث: إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت. وإذا ‌قام صاحب ‌القرآن فقرأه بالليل والنهار ‌ذكره، وإذا لم يقم به ‌نسيه. رواه مسلم
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة