الرؤية الشرعية في تطويل الرجل لشعرة وربطه

0 44

السؤال

قلتم في فتوى سابقة بأن تكبير الشعر للرجل يخضع للعادات والعرف، ولذلك يمكن تحريمه، رغم كونه أمرا جائزا وحلالا. وقلتم بأن ربطه فيه تشبه بالنساء، وأن المنظر قبيح للرجل.
لذلك ما أريد قوله: إن كان ربط الشعر فيه تشبه بالنساء، فظفره أولى بالتشبه بهن، على هذا المنظور. ولذلك فسنقول بأن رسول الله كان يتشبه بالنساء -والعياذ بالله-..
لذا فعلى أي أساس أقوم أنا بتقبيح صفة من صفات النبي الكريم، بسبب أن قومي يقبحون هذه الصفة، فالمجتمع الإسلامي اليوم (الذي أعيش فيه في بلدي) يقبح هذه الصفة، والتي كانت صفة من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن تواصل الأمر على حاله، فسيظل تقبيح هذه الصفة مستمرا. ولماذا التحريم أصلا؟ إن تم تحريمه، فهذا سيعني بأنه تم تحريم ما كان يتخذه رسول الله، وذلك بسبب عادات قوم يقبحون ما اتخذه نبينا. صراحة أنا أجد أن هذا تناقض كبير مع ديني، أصلا نحن لا نعلم من أين أتت هذه العادات، ثم نقوم بالتحريم، وذلك بالاستدلال بها؟
ملاحظة: جدي كبير في العمر، وهو من بين هؤلاء الذين يأخذون بهذه العادات، ولا يريد أن يكلمني بسبب أني أريد تطويل شعري.
فأنا شعري طويل حاليا، ولا أريد أن أقصه؛ لرغبتي الشخصية. أعلم بأن مسألة تكبيره ليست من السنة، ولكن هي رغبتي كشاب في مقتبل العمر؛ لذا أظن أن هذا الأمر مجرد رغبة شخصية، والتدخل فيه لا يجوز؛ لأنه تعد على حرياتي كشخص. فلماذا لا أقوم بتكليف من يبين له أن طول الشعر كان يتخذه الرسول، وأنه جائز ليس كالقزع، نظرا لأني أظنه جاهلا بهذه المسألة، بسبب العادات؟
ولماذا التحريم أصلا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصدر هذا السؤال إنما يتوجه إن كان الحامل على اتخاذ الشعر إنما هو اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم!

أما اتخاذه لمجرد رغبة شخصية ليعيش صاحبها مثل بقية الشباب في مقتبل العمر! فالأمر هنا يختلف، ومن الخطأ الواضح عندئذ ربط الأمر بمسألة اختلاف العادات بين هذا الزمان، وبين زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى أية حال، فلا بد من التنبيه هنا على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إنما هو من سنن العادات لا العبادات. فلا يتبع على أنه من الدين الذي لا تتبدل أحكامه ولا تتغير شرائعه، وإنما يكون من باب محبة النبي صلى الله عليه وسلم، والحرص على التشبه بشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم، ويكون الثواب حينئذ على القصد والنية، لا على الفعل المجرد. ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي ليس فيها معنى القربة، إنما تفيد الإباحة، لا الاستحباب. وكذلك التأسي به فيها يكون مباحا لا مستحبا، والأجر على النية لا الفعل؛ لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست كلها تشريعا، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 241294، 170263، 52924، 293140.
وإذا تقرر هذا، فلا إشكال في تغير حكم الإباحة إلى الكراهة أو التحريم، بسبب خارج عن ذات الفعل، كإطالة الشعر: هو مباح في الأصل، ولكن قد يكره بدليل آخر منفصل، يحكم به على حسب الواقع، كالنهي عن التشبه بالنساء، أو بالفساق وأهل الشر والفساد!

وهذا حاصل من قديم! فهذا الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- قد مضى على زمنه قريب من ألف سنة (توفي سنة 463) يقول في كتابه (التمهيد): صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا، لهم الجمم والوفرات، وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم، أو حشر معهم" فقيل: من تشبه بهم في أفعالهم. وقيل: من تشبه بهم في هيئاتهم. وحسبك بهذا، فهو مجمل في الاقتداء بهدى الصالحين على أي حال كانوا. اهـ.
وهذا هو مقتضى الفقه في الدين، والعمل بأدلة الشرع إجمالا وتفصيلا. ولذلك لما نص ابن مفلح في الآداب الشرعية على أنه لا بأس أن يجعل شعره ذؤابة، قال: وينبغي أن يقال: إن لم يخرج إلى شهرة، أو نقص مروءة، أو إزراء بصاحبه، ونحو ذلك. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى: 251563.
وحسبنا في جواب السائل أن نعيد قوله: (أعلم بأن مسألة تكبيره ليست من السنة)! وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يجري فيه ما يجري في بقية المباحات والعادات من القيود والضوابط، والتي منها: منع التشبه بالنساء، والفساق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة