السؤال
عمري 28 عاما، من الله علي بالاستقامة منذ ست سنوات، وتغيرت حياتي بالكلية، لكني في أول عام من استقامتي لم أكن أعلم الطريق الصحيح بعد في تعاملاتي كلها، وفي هذا العام وقعت في بعض الأخطاء، منها هذا الذنب الذي ظلمت فيه فتاة كانت معي بالجامعة، وكانت معروفة بتدينها، فلما استقمت شعرت أننا صرنا مناسبين لبعض، فكلمتها، وراسلتها، وخرجت معها، وعلقتها بي، ووعدتها بالزواج، وأخبرت أهلها عني، ثم بعد فترة شعرت أنني تسرعت في هذا، فتركتها دون سبب، ولم أعد أرد عليها، وأدى ذلك لتعب كبير لها، وصدمة، وحزن، وظلت ترسل لي: لماذا فعلت هذا بي؟ لماذا علقتني بك، ثم تركتني؟ وأنا لم أرد عليها، وغيرت هاتفي، وانتهى الأمر على ذلك.
وأشعر بعد خمس سنوات أن هذا الذنب يلاحقني، فقد تعبت كثيرا لأتزوج، ولم أستطع، وأنا منذ ثلاث سنوات أبحث عن زوجة، ولا أجد؛ حتى صار الأمر مشكلة، وابتليت ببعض معاصي السر، وتعبت، ولا أستطيع إيجاد فتاة مناسبة لأتزوجها، فظننت أن هذا بذنبي الذي فعلته بتلك الفتاة، فظللت أدعو لها، وأستغفر لها، وأفكر الآن أن أجعل أمي تكلمها، وتطلب منها أن تجعلني في حل، لكني أخشى أن أتسبب لها في مشاكل، فهي متزوجة الآن، وعندها أولاد، فهل من نصيحة؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على نعمة الله عليك بالاستقامة على طاعته، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى، وتقى، وصلاحا، ويحفظك، ويثبتك على الحق، ويرزقك حسن الختام، واجتناب الآثام.
وما قمت به من تجاوز الحدود في التعامل مع هذه الفتاة؛ كخروجك معها، ومحادثتك لها دون حدود، أمر منكر؛ لكونها أجنبية عنك؛ فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، وراجع الفتاوى: 35047، 30792، 21582، 5450.
وأما الوعد؛ فقد حث الشرع على الوفاء به، ومدح الموفين به، وأعلى من شأنهم، فمهما أمكن المسلم أن يفي بما وعد، فليفعل، فهو وإن كان لا يأثم بتركه عند جمهور العلماء، إلا أن الوفاء به يستحب استحبابا أكيدا، وتركه مكروه كراهة شديدة، وخاصة إن ترتب عليه ضرر، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون {الصف3:2}، ومدح الله نبيه إسماعيل -عليه السلام-، فقال: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا {مريم:54}.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من خصال النفاق، فقال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. متفق عليه.
فكان ينبغي لك أن تجتهد في أن تجد سبيلا لأن تفي بوعدك لهذه الفتاة، إن كانت ذات دين وخلق.
وإن أردت أن تتركها لسبب ما، فلتعتذر لها، ولو بالإشارة، والتلويح، بدلا من تركها معلقة في نوع من الضيق، والحرج.
وأما تأخر أمر زواجك؛ فقد لا يكون بسبب ذنب، بل قد يكون مجرد ابتلاء، ويأتي الفرج في يوم ما -بإذن الله-.
فعليك بكثرة دعاء الله سبحانه، وسؤاله التيسير، فقد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر:60}.
واجتهد في البحث عن المرأة الصالحة مستعينا بالثقات من أقاربك، وأصدقائك.
واجتنب التشدد في الاشتراطات، والصفات المثالية؛ فالكمال لله تعالى وحده، ومن طلبه في غيره، عجز، ولن يدركه.
والله أعلم.