السؤال
في هذا الزمان انتشر بكثرة وجود مشغلي الموسيقى والمتبرجات لدرجة أني أكون شبه متأكد من أني سأرى متبرجة أثناء سيري في الطريق.
سؤالي هو: أحيانا يطلب مني أن أنزل لإحضار أشياء ترفيهية (ليست ضرورية)، فهل علي إثم في نزولي للشارع -مع علمي بوجود المنكرات مسبقا، وأنني غالبا سأرى وأسمع تلك الأشياء؟
والمكان الذي سأدخله يحتمل فيه نفس الكلام أيضا، والمصعد الذي استخدمته -عند نزولي- فيه موسيقى، فهل أيضا علي إثم؛ لأني أنزل دون حاجة؟
مع العلم أن والدتي من تطلب ذلك مني، ويؤدي عدم النزول لانزعاجها.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيدك حرصا على الخير، واعلم أنه لا إثم في سماع الموسيقى دون قصد، وإنما الإثم في استماعها بقصد، كما سبق في الفتويين التاليتين: 142457، 413923.
ووجود النساء المتبرجات في الشوارع والأسواق لا يقتضي تحريم الخروج إليها لشراء السلع -ولو كانت ترفيهية- أو لغير ذلك من الأغراض المباحة، ولا يكلف المسلم إلا بغض بصره، والإنكار بقدر وسعه، وبما لا يوقعه في الحرج والمشقة.
ولا يجوز لك عصيان والدتك، والامتناع عن شراء ما طلبته منك؛ بحجة وجود المتبرجات والموسيقى في الأسواق.
وانظر الفتويين: 135799، 75805.
وننصحك بالبعد عن الغلو والتنطع في الدين؛ فإن ذلك مذموم شرعا. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هلك المتنطعون. قالها ثلاثا.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. اهـ.
وفي سنن النسائي من حديث ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب، والسنة، وبالعلم لا بالهوى؛ وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد، فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}، وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين، وضعف عقل وعلم، وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة، أو مشتبهة، أو كلها...
وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره، وذم المتنطعين في الورع. وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: {قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هلك المتنطعون. قالها ثلاثا}...
ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي في الصحيح لما ترخص في أشياء، فبلغه أن أقواما تنزهوا عنها فقال: {ما بال رجال يتنزهون عن أشياء أترخص فيها، والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله، وأخشاهم. وفي رواية: أخشاهم وأعلمهم بحدوده له}.
ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب، والسنة، والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار، وأهل البدع من الخوارج، والروافض، وغيرهم .اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.