الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يصلح حالك، وأن يثبتك على هداه، وما ذكرته بقولك: (ولكني قرأت في عدة مواقع أن الدعاء لأجل النفس، أو المال، أو الأهل باطل، فهل هذا الكلام صحيح؟)، فلا نعلم لهذا الإطلاق أصلا عند أحد من العلماء.
ولعلك تقصدين ما يتعلق بمسألة الدعاء بملذات الدنيا وشهواتها مما لم يرد الدعاء به في القرآن، أو السنة.
ولتوضيح هذه المسألة نقول:
إن دعاء الشخص بما شاء من ملذات الدنيا المباحة خارج الصلاة، جائز بلا إشكال.
وإنما اختلف أهل العلم في جواز الدعاء في الصلاة بما لم يرد في الأدعية المأثورة من ملذات الدنيا مما يشبه كلام الناس، فمنعه بعض العلماء؛ كالحنفية، والحنابلة، جاء في الدر المختار للحصكفي: ودعا بالأدعية المذكورة في القرآن والسنة، لا بما يشبه كلام الناس) اضطرب فيه كلامهم، ولا سيما المصنف؛ والمختار -كما قاله الحلبي- أن ما هو في القرآن أو في الحديث، لا يفسد، وما ليس في أحدهما، إن استحال طلبه من الخلق لا يفسد، وإلا يفسد لو قبل قدر التشهد، وإلا تتم به ما لم يتذكر سجدة، فلا تفسد بسؤال المغفرة مطلقا، ولو لعمي أو لعمرو، وكذا الرزق ما لم يقيده بمال ونحوه؛ لاستعماله في العباد مجازا. اهـ.
ومن هذا نص بعض الحنفية على أنه ينبغي للمصلي الدعاء بأدعية محفوظة؛ حتى لا يعرض صلاته للفساد بدعائه بما يشبه كلام الناس، جاء في المحيط البرهاني في الفقه النعماني لابن مازة: ينبغي أن يدعو في صلاته بدعاء محفوظ؛ لأنه يخاف أن يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس، فتفسد به صلاته.
أما في غير حالة الصلاة، ينبغي أن يدعو بما يحضره، ولا يستظهر الدعاء؛ لأن حفظ الدعاء يذهب برقة القلب. اهـ.
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (ولا يجوز الدعاء بغير ما ورد وليس من أمر الآخرة، كحوائج دنياه وملاذها، كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء، وحلة خضراء، ودابة هملاجة، ونحوه) كدار واسعة (وتبطل) الصلاة بالدعاء (به) لأنه من كلام الآدميين. اهـ.
بينما أجاز جمع من العلماء للمصلي أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا، وهو مذهب المالكية، والشافعية، جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: (ودعا) المصلي جوازا في سجوده، وبين سجدتيه، وعقب تشهد السلام (بما أحب) من جائز شرعا وعادة، ويحرم بممتنع شرعا -نحو: اللهم أعني على قتل فلان عدوانا، أو الزنى بحليلته-، أو عقلا -كالجمع بين الضدين-، أو عادة -كالسلطنة لمن ليس أهلها-، ولا يبطل الصلاة. قرره العدوي، إن لم يكن لدنيا، بل: (وإن) كان (ل) طلب (دنيا) كسعة رزق، وزوجة حسنة. اهـ.
وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: (وكذا) يسن (الدعاء بعده) أي: التشهد الآخر بما شاء من ديني أو دنيوي -كاللهم ارزقني جارية حسناء-؛ لخبر إذا قعد أحدكم في الصلاة، فليقل: التحيات لله إلى آخرها، ثم ليتخير من المسألة ما شاء، أو ما أحب. رواه مسلم، وروى البخاري ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به، بل نقل عن مقتضى النص كراهة تركه. اهـ. والراجح عندنا هو الجواز، كما سبق في الفتوى: 19525.
وبعد هذا: فالدعاء بـ (اللهم رحمني، واللهم ارزقني)، ونحو ذلك لنفسك، أو لأهلك، ليس فيه إشكال؛ لأنها أدعية واردة في النصوص، وإنما الإشكال في التفاصيل الزائدة على ذلك، كقولك: (يرزقني مالا ..)، فهذا الذي يدخل في الخلاف -كما تقدم نص الحنفية عليه-.
وعلى كل حال؛ فالمسألة لا تستدعي المبالغة، وما ذكرته من الإحباط والقنوط.
فإن شئت أن تدعي بما شئت من ملذات الدنيا المباحة في الصلاة تقليدا لمن يجيزه؛ فلك ذلك، ولا تثريب عليك.
وإن أردت الاحتياط والخروج من الخلاف، فادعي بتلك الملذات خارج الصلاة.
والله أعلم.