سفر المرأة للطاعة بغير محرم

0 43

السؤال

أريد تفصيلا فيما يخص سفر المرأة، فقد بحثت كثيرا، لكني لم أفهم جيدا بعض الأمور.
قرأت أن سفر المرأة دون محرم، محرم في الأصل، لكني قرأت أيضا أن هناك من أجازه بالنسبة للحج؛ بشرط الرفقة المأمونة، فهل هذا يعني أن السفر لغير الحج لا يجوز، وإن كانت الرفقة مأمونة؟ وما المقصود بالرفقة المأمونة؟ وهل السفر في الحافلة مع الناس، يعد سفرا مع رفقة مأمونة، أم إن من الضروري معرفتهم؟
وبالنسبة لحديث الظعينة، فهل يمكن أن يحتج به على أنه يبيح سفر المرأة في حال توفر الأمان، خصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها لا تخاف إلا الله، فمن لا يخاف إلا الله، فهو إنسان صالح، ولا يعصي الله، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا السفر مع بشارة؟ وإن كان كلامي صحيحا، فهل يمكن أن يكون حجة للسفر لغير الحج؟ أرجو منكم التفصيل، أريد أن أخبركم أني أحبكم في الله، وأطلب منكم الدعاء لي بالخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في جواز سفر المرأة بغير محرم:

فأجازه المالكية والشافعية مع رفقة مأمونة، في حج الفريضة خاصة، دون غيره من الأسفار.

ومنعه الحنفية والحنابلة مطلقا.

ودليل المانعين عموم أدلة المنع.

ودليل المجيزين في حج الفريضة عموم الأمر بالحج لمن استطاع إليه سبيلا.

فلما تعارض العمومان، قدمت كل طائفة من أهل العلم ما رأته أقوى، قال القسطلاني: واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه، شرط في وجوب الحج عليها، أو شرط في التمكن، فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة؟

 والذين ذهبوا إلى الأول، استدلوا بهذا الحديث. فإن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الحديث، فتمتنع إلا مع المحرم.

والذين قالوا بالثاني، جوزوا سفرها مع رفقة مأمونة إلى الحج رجالا أو نساء، كما مر. وهو مذهب الشافعية، والمالكية. والأول مذهب الحنفية، والحنابلة.

قال الشيخ تقي الدين: وهذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا، وكان كل منهما عاما من وجه، خاصا من وجه. فإن قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران:97]، يدخل تحته الرجال والنساء، فيقتضي ذلك أنه إذا وجدت الاستطاعة المتفق عليها أن يجب عليها الحج، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة" الحديث، خاص بالنساء، عام في الأسفار، فيدخل فيه الحج.

فمن أخرجه عنه، خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه، خص الآية بعموم الحديث. فإذا قيل به، وأخرج عنه لفظ الحج؛ لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت). قال المخالف: بل يعمل بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت}، فتدخل المرأة فيه، ويخرج سفر الحج عن النهي. فيقوم في كل واحد من النصين عموم وخصوص، ويحتاج إلى الترجيح من خارج.

قال: وذكر بعض الظاهرية أنه يذهب إلى دليل من خارج، وهو قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ولا يتجه ذلك؛ فإنه عام في المساجد، فيمكن أن يخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر في الخروج إليه بحديث النهي. انتهى.

واستدل المجيزون لسفر المرأة في حج الفريضة أيضا بحديث الظعينة المشار إليه في السؤال، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أورده مورد البشارة، على جهة ذكر المنة من الله تعالى؛ فدل على الجواز؛ لأنه لا يمتن بغير جائز، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في بيان حجة المجيزين: وقد احتج له بحديث عدي بن حاتم مرفوعا: يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت، لا زوج معها. الحديث. وهو في البخاري. وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك، لا على جوازه. وأجيب بأنه خبر في سياق المدح، ورفع منار الإسلام؛ فيحمل على الجواز. انتهى.

وذهب ابن تيمية إلى جواز السفر مع الأمن في كل سفر طاعة؛ قياسا على الحج الواجب، كما ذكره عنه ابن مفلح في الفروع.

وذهب بعض الشافعية إلى جواز ذلك في كل سفر، إذا تحقق الأمن، وهو قول القفال، واستحسنه الروياني، قال ابن حجر: وهذا كله في الواجب من حج، أو عمرة. وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها، واستحسنه الروياني، قال: إلا أنه خلاف النص. قلت: وهو يعكر على نفي الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا. انتهى.

ثم إن هؤلاء الذين أجازوا سفرها دون محرم، اختلفوا في شرط الجواز، فمنهم من شرط رفقة من النسوة الثقات، ومنهم من شرط الرفقة المأمونة التي فيها رجال ونساء، ومنهم من شرط الأمن فحسب، قال ابن حجر: والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج، أو المحرم، أو النسوة الثقات. وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة، وفي قول نقله الكرابيسي، وصححه في المهذب: تسافر وحدها، إذا كان الطريق آمنا. انتهى.

ونص بعض المالكية على أن القوافل العظيمة التي يحصل فيها الأمن على المرأة، يجوز لها أن تسافر معها مطلقا، قال الحطاب في مواهب الجليل: (السادس) فهم من قول المصنف: بفرض، أن سفرها في التطوع لا يجوز إلا بزوج، أو محرم. وهو كذلك فيما كان على مسافة يوم وليلة فأكثر، وسواء كانت شابة، أو متجالة. وقيد ذلك الباجي بالعدد القليل، ونصه: هذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة، فهي عندي كالبلاد يصح فيها سفرها دون نساء، وذوي محارم. انتهى. ونقله عنه في الإكمال وقبله، ولم يذكر خلافه. وذكره الزناتي في شرح الرسالة على أنه المذهب، فيقيد به كلام المصنف وغيره. ونص كلام الزناتي: إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عدد وعدد، أو جيش مأمون من الغلبة، والمحلة العظيمة، فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار -الواجب منها، والمندوب، والمباح- من قول مالك وغيره؛ إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره، وبين البلد. هكذا ذكره القابسي. انتهى.

هذا حاصل ما للعلماء في هذه المسألة، ونرى -والله أعلم- أن ركاب الحافلات التي فيها أخلاط من الناس يعدون رفقة مأمونة، وليس من الضروري معرفة أعيانهم. والاحتياط لا يخفى.

والقول بجواز سفرها لحج الفريضة، وعمرة الفريضة مع رفقة مأمونة من الرجال، أو من النساء، قول قوي، وللعامي أن يقلد من يوثق به من أهل العلم، كما هو مبين في الفتوى: 169801.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة