السؤال
كنت أريد صيام الاثنين والخميس تطوعا لله، فأخبرتني أمي أني إذا نويت صيام الاثنين والخميس تطوعا لله مرة واحدة، فعلي فعل ذلك للأبد؛ فامتنعت.
وقبل فترة أذنبت، فندمت واستغفرت، وتدهورت نفسيتي بسبب ذنبي، وشعرت أني مجرد فتاة عاصية مصيرها جنهم، فنويت أن أصوم الاثنين والخميس تطوعا لله تكفيرا عن ذنبي، ثم تراجعت.
قبل فترة تذكرت ذنبي، وتذكرت الكثير من ذنوبي -وقد تبت عنها-، وتذكرت نيتي للصوم وتراجعي عنها، فشعرت بالغضب من نفسي والضغط النفسي، فقلت: "أعاهد الله أن أصوم الاثنين والخميس تطوعا لله"، ولم أتلفظ بكلمة: "للأبد"، لكني نويتها؛ بناء على اعتقادي أني ملزمة أن أصوم للأبد بمجرد أن أصوم مرة واحدة، ويغلب على ظني أني قلت: "إن شاء الله"، واستثنيت أيام عذري الشرعي، وأيام المرض؛ ولا أتذكر هل تلفظت بالاستثناء، أم قلت ذلك في نفسي؟ ونويت أيضا بالعهد الضغط على نفسي، وإرغامها على الصيام، ثم سمعت الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول: إن الإنسان ليس ملزما بأن يصوم الاثنين والخميس بشكل مستمر، ما دامت نيته التطوع، وليس النذر، فهل أستطيع تغيير اللفظ، وأقول: "نويت صيام الاثنين والخميس، تطوعا لله، متى استطعت"؟
وقالت لي صديقتي: لست ملزمة أن تصومي للأبد، ولكنك ملزمة أن تصومي تطوعا من حين لآخر؛ لأنك عاهدت الله بناء على اعتقاد خاطئ، فلو قلت مثلا: أعاهد الله أن أصوم عشرة أيام من شوال، ظنا منك أن سنة شوال هي عشرة أيام؛ فعليك صيام ستة أيام، وتسقط الأربعة؛ لأن نيتك ليست عشرة أيام، وإنما صيام شوال تطوعا، فهل أعمل بقولها؟ وإذا كان علي الصيام للأبد، فهل علي أن أقضي أيام عذري الشرعي، وأيام مرضي؛ رغم أني نويت استثناءها؟ أفيدوني -جزاكم الله خيرا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول القائل: "أعاهد الله على كذا"، مما اختلف فيه أهل العلم، وفيما يلزم به:
فذهب الجمهور إلى أنه يمين، وقيل: لا شيء فيه، وإنما يكون يمينا بالنية.
والذي نفتي به أنه إن التزم به فعل طاعة، كان يمينا ونذرا، كما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى قول من يرى أنه يمين فقط، وهو قول كثير من العلماء، ولسنا نرى مانعا من عملك به؛ فإنه لا يلزمك -والحال هذه- سوى كفارة يمين، جاء في الموسوعة الفقهية، باختصار: قال الحنفية: إذا قيل: علي عهد الله، أو ذمة الله، أو ميثاق الله لا أفعل كذا مثلا، فهذه الصيغ من الأيمان...
وقال المالكية، والحنابلة: من صيغ اليمين الصريحة: علي عهد الله لا أفعل، أو لأفعلن كذا مثلا؛ فتجب بالحنث كفارة إذا نوى اليمين، أو أطلق، فإن لم ينو اليمين، بل أريد بالعهد التكاليف التي عهد بها الله تعالى إلى العباد، لم تكن يمينا.
وزاد المالكية: أن قول القائل: أعاهد الله، ليس بيمين على الأصح؛ لأن المعاهدة من صفات الإنسان، لا من صفات الله، وكذا قوله: لك علي عهد، أو أعطيك عهدا.
وقال الشافعية: من كنايات اليمين: علي عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو أمانته، أو كفالته لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا، فلا تكون يمينا إلا بالنية؛ لأنها تحتمل غير اليمين احتمالا ظاهرا. انتهى.
وعليه؛ ولبيان ما نفتي به، انظري الفتوى: 291337.
ومع كوننا نفتي بأن هذا الذي صدر منك يجري مجرى النذر، وأنه يلزمك الوفاء به؛ ومن ثم، فتصومين الاثنين والخميس أبدا ما دمت نويت ذلك، إلا أننا لا نرى مانعا من عملك في هذه النازلة بقول من يرى أنه يمين فقط؛ وذلك للمشقة اللاحقة لك.
والأخذ برخص بعض العلماء للحاجة، مما سهل فيه كثير من أهل العلم، وانظري الفتوى: 134759.
فنرى أنك لو اجتزأت بكفارة يمين، برئت ذمتك -إن شاء الله-.
وأما اعتقادك اللزوم المبني على ما قالته أمك، فلا تأثير له في الحكم.
والله أعلم.