حكم بيع المباحات النافعة التي تستعمل في الحلال والحرام

0 22

السؤال

أريد أن أسألكم سؤالا يتعلق بالمكاسب.
أعرف أن هناك كسبا حلالا وحراما، ولكن تواجهني مشكلة في الكسب الحلال الذي يمكن أن يستخدم في الحلال والحرام. فمثلا بيع الملابس النسائية هناك من ستستخدمها للتزين لزوجها، ومن ستستخدمها للتبرج، وكذلك الكثير من الأعمال الأخرى مثل كي وغسل الملابس. يمكنني كي الملابس لمن سيستخدمها في حلال، وفي حرام.
ومعظم التجارات تستخدم في الحلال والحرام، فمعظم الناس يستخدمها في الحرام، ولا يمكنني أن أبيع لأشخاص يستخدمونها في الحلال، ولا أبيع لمن سيستخدمها في الحرام؛ لأن وزارة التجارة والصناعة تمنع هذا تحت عنوان العنصرية، وعليها سجن وغرامة وإغلاق محل. فلا يمكنني أن أكتب في محل الحلاقة: لا لحلق اللحى، أو لا للمتبرجات.
وإذا أردت أن لا أعمل في التجارة، وأذهب للعمل في الجهات الحكومية أيضا، سأضطر إلى العمل المباح الذي يشمل على الإعانة على الحرام مثلا العمل في البلديات والموارد المائية، وهو حلال، لكن سأضطر إلى إعطاء البنوك ومحلات الشيشة …… تراخيص. ولا يمكنني أن أقول: لا، وإلا فسأطرد من العمل. وأيضا تشمل على وظيفة المياه والكهرباء، فسوف أضطر إلى إيصال الكهرباء والماء إلى البنوك، ومحلات الشيشة……… وإذا ذهبت إلى الجهات الخاصة فهي أسوأ، فسيجبرونك على الإعانة على الإثم بطريقة أكبر، وإن لم أفعل سأطرد من العمل.
أنا أتكلم عن حال معظم الدول الإسلامية، فالدول الإسلامية تطبق قوانين دول الغرب، وبذلك فمعظم النساء متبرجات، ويستخدمن كل شيء في أمور حرام وأيضا حلال، لكن يغلب على ظني أنهن سيستخدمنها في الحرام. ولكن هذا حال كل الدول الإسلامية.
وحتى إذا أردت أن أعمل في دار الإفتاء، فسيجبرونني على أن أفتي في شيء خطأ حتى أتماشى مع قوانين دولتهم. فهذا ما سمعته من صديقي.
أرجوكم أخبروني ما الحل، فكل مكان على بقعة الأرض يشتمل على محرمات، ولا مفر منها من اختلاط وتبرج وغناء، فلا يمكنني أن أعمل أو أتاجر إلا بما يشتمل على محرم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا ريب في أهمية الحرص على تحري الكسب الحلال الطيب، والبعد عن الحرام والشبهات، ولا ريب في كون هذا الأمر في زماننا لم يعد سهلا ميسورا. لكن هذا لا يعني أن باب الحلال قد أغلق على الناس، ولم يعد بوسع أحد أن يأكل الحلال، أو أنه لا يمكن الوصول إلى الحلال إلا بالدخول في الحرج وركوب المحظور.
فهذا مبالغ فيه، والصحيح أن الوصول إلى الحلال ممكن، وأن الله -تعالى- لم يكلفنا ما لا نطيق، ولم يجعل علينا حرجا في هذا الدين.

جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وإن مما نعتقد أن الله لا يأمر بأكل الحلال، ثم يعدمهم الوصول إليه من جميع الجهات؛ لأن ما طالبهم به موجود إلى يوم القيامة؛ والمعتقد أن الأرض تخلو من الحلال والناس يتقلبون في الحرام؛ فهو مبتدع ضال، إلا أنه يقل في موضع ويكثر في موضع؛ لا أنه مفقود من الأرض. انتهى.
والأصل أن بيع المباحات النافعة جائز، وكسبه حلال، ولو استعمله المشتري في الحرام، فلا إثم على البائع، ولا يلزم البائع أن يفتش، ويسأل المشتري عن غرضه، وراجع الفتوى: 313708
ومسألة الإعانة على المحرمات؛ فيها تفصيل، فهي محرمة إذا كان فيها قصد أو مباشرة، أما الإعانة غير المباشرة ولا المقصودة؛ فليست محرمة، وراجع الفتوى: 312091
وفي حكم المال المكتسب من بيع المباح الذي يستعان به على محرم، راجع الفتوى: 425494
فاستعن بالله -تعالى- واجتنب المكاسب المحرمة، واحرص على تحري الحلال قدر وسعك، وما عجزت عنه فأنت معذور فيه. وسدد وقارب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة