السؤال
هل تفسير الأحلام عند علماء الدين حلال أم حرام؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفسير الأحلام أي: الرؤى جائز لمن ألهمه الله تعالى تعبيرها، وأخذ بالضوابط الشرعية لتأويلها، وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه ورؤيا غيره، وعبرها أبو بكر بحضرته، فأقره على ما كان صوابا من تعبيره، ففي الصحيحين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم.
فهذا الحديث يدل على جواز تعبير الرؤى، وعلى جواز ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما تعبيره لها صلى الله عليه وسلم فأحاديثه كثيرة مخرجة في الصحاح.
وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس " قال: وأحب القيد وأكره الغل والقيد ثبات في الدين
فأما القسم الأول الذي هو جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، فهو الذي يعبره المعبرون، لكن لا ينبغي أن يتجاسر على تعبيرها إلا من هو أهل لتعبيره عالم بتأويله، يقول الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: وقيل لمالك رحمه الله أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟! وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت. قيل: فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما أولت عليه؟ فقال: لا. ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة. انتهى.
وأما القسم الثاني الذي هو تحزين من الشيطان فلا ينبغي تكلف تعبيره، بل ولا التحدث به، فعن جابر قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس. رواه مسلم. ورواه ابن ماجه أيضا عن جابر بلفظ : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو يخطب فقال: يا رسول الله رأيت البارحة فيما يرى النائم كأن عنقي ضربت وسقط رأسي فاتبعته فأخذته فأعدته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به الناس.
وأما القسم الثالث فكذلك، لأنه ليس رؤيا، وإنما هو أشياء يهتم بها الإنسان في يقظته، فتبقى في ذاكرته، فيراها في النوم.
والله أعلم