السؤال
إذا كنت أقرأ القرآن وأنا راكب في سيارة، ووصلت إلى مكان سجدة. فماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أولا- أن سجود التلاوة مستحب عند جمهور الفقهاء، فلا إثم في تركه، ولا حرج، وراجع في ذلك الفتوى: 17777.
والراكب في سيارة -ونحوها- إذا قرأ آية سجدة، وأراد السجود لها، فإنه لا يخلو من أن يكون مسافرا أو مقيما.
فإن كان مسافرا فله السجود إيماء ولو إلى غير القبلة، قياسا على صلاة النافلة للمسافر.
وأما إن كان مقيما في البلد، فجمهور الفقهاء على أن ليس له الإيماء، ولا ترك الاستقبال.
وهذه أقوالهم في المسألتين:
قال الحصكفي -الحنفي- في الدر المختار: وركنها السجود أو بدله كركوع مصل، وإيماء مريض وراكب. انتهى.
قال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: (قوله وراكب) أي إذا تلاها أو سمعها راكبا خارج المصر، وإن نزل بعدها ثم ركب. أما لو وجبت على الأرض، فإنها لا تجوز على الدابة؛ لأنها وجبت تامة، بخلاف العكس، كما في البحر. انتهى.
وقال الحطاب -المالكي- في مواهب الجليل: ولا يرفع يديه بالتكبير عندنا. قاله الفاكهاني. قال: ولا يجزئ عنها الركوع عندنا، ولا الإيماء إلا للمتنفل على الدابة في السفر. انتهى.
قال الخطيب الشربيني -الشافعي- في مغني المحتاج: (والأصح جوازهما) أي السجدتين -يعني سجود التلاوة والشكر- خارج الصلاة (على الراحلة للمسافر) بالإيماء؛ لمشقة النزول. انتهى.
وظاهر كلام المرداوي -الحنبلي- في الإنصاف، أن له الإيماء بسجود التلاوة إن كان راكبا وإن لم يكن مسافرا.
قال -رحمه الله-: فائدة: الراكب يومئ بالسجود، قولا واحدا، وأما الماشي فالصحيح من المذهب: أنه يسجد بالأرض، وقيل: يومئ أيضا، وأطلقهما في الحاوي، وقيل: يومئ إن كان مسافرا، وإلا سجد. انتهى.
وأما مسألة استقبال القبلة، فقد قال ابن قدامة -في المغني- في سياق كلامه عن قبلة المسافر الراكب: وقبلة هذا المصلي حيث كانت وجهته، .... إلى أن قال: ولا فرق بين جميع التطوعات في هذا، فيستوي فيه النوافل المطلقة، والسنن الرواتب والمعينة، والوتر، وسجود التلاوة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوتر على بعيره، وكان يسبح على بعيره إلا الفرائض. متفق عليهما. انتهى.
وقال الروياني في بحر المذهب: لا يجوز سجود التلاوة إلا بالطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة إن كان يسجد على الأرض، وحكمه حكم صلاة النفل؛ لأنها صلاة في الحقيقة. ولو كان على الراحلة في السفر سجد حيث توجهت به، وإن كان ماشيا في السفر سجد على الأرض. انتهى.
وقال الحطاب في مواهب الجليل: قال في المدونة، في كتاب الصلاة الأول، في ترجمة الذي يقدح الماء من عينيه: وللمسافر أن يتنفل على الأرض ليلا ونهارا، وأن يصلي في السفر الذي تقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد إيماء وإذا قرأ سجدة تلاوة، أومأ.
فأما في سفر لا يقصر فيه، أو في حضر فلا، وإن كان إلى القبلة. انتهى.
وإذا تبين لك هذا؛ فالذي نرى أن من كان راكبا: فإن كان مسافرا فإنه يومئ بالسجود بلا شك حيث توجه.
وأما إن كان في البلد، فإنه لا يومئ بالسجود، ولا يترك استقبال القبلة.
وللفائدة، يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 46307، 100273.
والله أعلم.