السؤال
يقول الله تعالى: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون)، أليس هذا دليلا أن "الأحاديث" ليست إلا محض تأليف؟
يقول الله تعالى: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون)، أليس هذا دليلا أن "الأحاديث" ليست إلا محض تأليف؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس في الآية الكريمة دليل على ما ذكرت من قريب ولا من بعيد، وإنما تتضمن الآية توبيخا للمشركين، وتبكيتا لهم؛ لجحدهم بالقرآن، وتكذيبهم به، فيقول الله لنبيه -صلوات الله عليه-، هذا القرآن هو آيات الله البينات، نتلوها، ونقرؤها عليك بواسطة الملك بالحق، الذي لا شبهة فيه، فإذا لم يؤمنوا به مع وضوحه، ودلالته القاطعة على أنه من عند الله؛ فبأي شيء يؤمنون بعد هذا!؟ فهذا استفهام إنكاري لعدم إيمانهم بالقرآن، وتكذيبهم به، قال القاسمي: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (6) تلك آيات الله، أي: الدالة على كمال قدرته، وحكمته، وإرادته، نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون، أي: بعد آياته ودلائله الباهرة، وتقديم اسم الله للمبالغة، والتعظيم، كما في قولك: (أعجبني زيد وكرمه). انتهى.
وقال أبو حيان في البحر: ونتلوها معناه: نأمر الملك أن يتلوها. وقرئ: يتلوها بياء الغيبة، عائدا على الله، وبالحق: بالصدق؛ لأن صحتها معلومة بالدلائل العقلية. فبأي حديث الآية، فيه تقريع، وتوبيخ، وتهديد، بعد الله: أي: بعد حديث الله، وهو كتابه، وكلامه، كقوله: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها، وقال: فبأي حديث بعده يؤمنون، أي: بعد حديث الله، وكلامه. وقال الضحاك: بعد توحيد الله. انتهى.
فإذا علمت معنى الآية، وأنها تبكيت وتقريع للمشركين لكفرهم بالقرآن؛ فلا تعلق لها من قريب، ولا من بعيد بالسنة المشرفة، وليس ما فيها إنكارا لإيمان من يؤمن بالحديث الشريف، بل هذا من أبطل الباطل، ومما لا تدل عليه الآية بوجه من الوجوه.
غير أن من لم يفهم طريقة العرب في كلامها، ولا رجع إلى المفسرين في فهمهم لكتاب الله تعالى، لا يستغرب أن تصدر منه هذه العجائب.
وأما السنة الشريفة؛ فقد دل القرآن على وجوب الأخذ بها، والعمل بما دلت عليه في جملة من الآيات؛ كقوله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر:7}، وقوله: من يطع الرسول فقد أطاع الله {النساء:80}، وقوله: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله {النساء:64}، وقوله: واتبعوه لعلكم تهتدون {الأعراف:158}، وقوله: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى {النجم:3-4}، وقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم {النحل:44}، إلى غير ذلك من الآيات.
والمكذب بالسنة المنكر لها يهدم الدين من أصله؛ إذ إنه لا يجد في القرآن تفاصيل الشرائع من كيفية الصلاة، والصيام، والحج، ونحو ذلك، قال الشوكاني -رحمه الله-: اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال، وتحريم الحرام، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه، أي: أوتيت القرآن، وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن، إلى أن قال: والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام، ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام. انتهى.
وهذا المقصد من الوضوح لدى المسلمين بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان.
والله أعلم.