هل تحضر النساء سوق الجنة؟ وهل يرين ربهنّ تعالى؟

0 35

السؤال

أنا أحب الإسلام حقا، وأتعلم عنه، وعندما أتعلم عنه -خاصة عن الجنة- أشعر بألم؛ لأنني أشعر أن أعظم الأجور هي للرجال فقط، ويرجى ملاحظة أنني أقول ذلك لأنني إنسان أيضا، وأريد الحصول على فرصة متساوية في الحصول على أجر أكبر، وإرضاء الله، فأنا أرى الكثير من ذكر الأجر محددا للرجال، ولا شيء للنساء.
وما يؤلمني حقا أنني عندما أتعلم عن عبادة ما، والأجر المترتب عليها؛ أحفز نفسي لأدائها، لكنني أكتشف أن الأجر مخصص للرجال فقط؛ مما يجعلني أشعر بالاكتئاب.
على سبيل المثال: هناك حديث جميل عن أسواق الجمعة في الجنة، وقد حفزني شهور، وبسبب ذلك قمت بعدة عبادات؛ لأنني كنت أتمنى الوصول إلى الجنة، حتى أتمكن من الوصول إلى أسواق الجمعة، والاستمتاع بنعيمها، خاصة أن يوم الجمعة هو أعظم يوم في الجنة، ثم اكتشفت أن نعيم سوق الجمعة للرجال فقط؛ فآلمني ذلك حقا، وأضعف إيماني؛ لأن ما دفعني لأشهر لفعل الخير هو للرجال فقط، وأعظم النعيم في الجنة لن نحققه أبدا، بل هو للرجال، والحديث يقول: العودة إلى عائلاتهم، وكلمة العائلات عامة؛ لأنها قد تعني عودة الرجال إلى زوجاتهم، وقد تعني أيضا عودة النساء إلى أزواجهن، فلماذا يقال في الشرح للرجال فقط؟ وإذا نال الرجال نعيم سوق الجمعة، فهل تحصل النساء على أجر مماثل؟ وإذا كان يوم الجمعة هو أعظم يوم في الجنة، ويحصل الرجال على أجر خاص يوم الجمعة -وهو أسواق الجمعة-، فلماذا لا تحصل النساء أيضا على سوق جمعة، أو أجر آخر يعطى لهن يوم الجمعة؟
أعلم أنكم ستقولون: إن صلاة الجمعة واجبة على الرجال فقط، ولكن بعض النساء يذهبن أيضا، ويختار معظمهن الصلاة في المنزل؛ لأنه أفضل، فإذا التزمت المرأة بأمر الصلاة في المنزل، فلماذا لم تحصل على أجر يضاهي سوق الجمعة؟ ومن هذا يظهر أن أدنى رجل في الجنة أفضل من خير امرأة، والرجل والمرأة بنفس التقوى.
أنا حقا لا أفهم لماذا لا تحصل النساء على مكافأة خاصة يوم الجمعة في الجنة أيضا، والتي تكون كبيرة، مثل المكافآت التي يحصل عليها الرجال؟ عندما يقول الحديث: "العودة إلى أهلهم"، فلماذا يفهم أن الرجال يذهبون فقط؛ لأن أهل تعني كلا من الرجال والنساء؟ وهل تحصل النساء على نعمة يوم الجمعة تضاهي نعيم سوق الجمعة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لسوقا، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله، لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم -والله- لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. رواه مسلم.

وهناك أحاديث أخرى في صفة سوق الجنة، وأنهم يرون الله تعالى فيه، ويكلمهم سبحانه، ولكن أسانيدها ليست بذاك.

والذي يمكن أن يشكل على السائلة في هذا الحديث أن ظاهره بقاء المرأة في قصرها، أو خيمتها أثناء إتيان زوجها لهذا السوق، ومن ثم؛ فلا تنال ما فيه من النعيم، وأعظمه: رؤية الله تعالى، وسماع كلامه! وهذا ليس بلازم، كما يشير إليه آخر الحديث، وهو قول الرجل لأهله عند رجوعه: وأنتم -والله- لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ما في هذا الحديث من ازدياد وجوههم حسنا وجمالا، لا يقتضي انحصار ذلك في الريح؛ فإن أزواجهم قد ازدادوا حسنا وجمالا، ولم يشركوهم في الريح؛ بل يجوز أن يكون حصل في الريح زيادة على ما حصل لهم قبل ذلك، ويجوز أن يكون هذا الحديث مختصرا من بقية الأحاديث بأن سبب الازدياد رؤية الله تعالى مع ما اقترن بها.

وعلى هذا؛ فيمكن أن يكون نساؤهم المؤمنات رأين الله في منازلهن في الجنة رؤية اقتضت زيادة الحسن والجمال -إذا كان السبب هو الرؤية، كما جاء مفسرا في أحاديث أخر- كما أنهم في الدنيا كان الرجال يروحون إلى المساجد، فيتوجهون إلى الله هنالك، والنساء في بيوتهن يتوجهن إلى الله بصلاة الظهر؛ والرجال يزدادون نورا في الدنيا بهذه الصلاة، وكذلك النساء يزددن نورا بصلاتهن، كل بحسبه؛ والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن، بل كل عبد يراه مخليا به في وقت واحد، كما جاء في غير حديث. اهـ.

وقال أيضا: مضمون هذا الحديث أن أزواجهم لم تكن معهم في جمعة الآخرة، ولا في سوقها؛ لكنه لا ينفي أنهن رأين الله في دورهن؛ فإن الرجال قد عللوا زيادة الحسن والجمال بمجالسة الجبار، والنساء قد شركتهم في زيادة الحسن والجمال، كما تقدم في أصح الأحاديث. اهـ.

ونحن لا ننكر خلاف العلماء في مسألة رؤية النساء لله تعالى في الجنة، ولكن الصواب أنهن يرينه، كما ينلن سائر أنواع النعيم في الجنة، قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: حكى بعض العلماء خلافا في ‌النساء: ‌هل ‌يرين ‌الله عز وجل في الجنة كما يراه الرجال؟

فقيل: لا يرينه؛ لأنهن مقصورات في الخيام، لا يبرزن منها.

وقيل: لنقص عقولهن، ودينهن، ورغبتهن في الدنيا.

وقيل: بل يرينه سبحانه؛ لأنه لا مانع من رؤيته في الخيام، والقصور، وغيرها. والنساء إذا دخلن الجنة ذهب عنهن ما كان يعتريهن من النقص في الدنيا، وصرن أزواجا مطهرة من كل أذى، وطبن أخلاقا وخلقا؛ فلا مانع لهن من رؤيتهن لربهن عز وجل. والله سبحانه أعلم.

وقد قال الله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم عز وجل، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها؛ فافعلوا. وهذا عام في الرجال، والنساء. والله أعلم.

وقال بعض العلماء قولا ثالثا، وهو: أنهن يرين الله في مثل أوقات الأعياد؛ فإنه تعالى يتجلى لأهل الجنة في مثل أيام الأعياد تجليا عاما؛ فيرينه في مثل هذه الحال في جملة أهل الجنة، وهذا القول يحتاج إلى دليل خاص. والله أعلم. اهـ.

وللسيوطي رسالة مختصرة في ذلك، وهي: (‌تحفة ‌الجلساء ‌برؤية الله للنساء)، وللسخاوي أيضا جواب مختصر عن ذلك في الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية، وانظري الفتويين: 63089، 444490.

والمقصود أن الحديث -وإن كان ينص على إتيان الرجال سوق الجنة-، إلا إنه لا ينص على حرمان النساء من ذلك.

وعلى التسليم بالتفاوت بين الرجال والنساء في حضور سوق الجنة؛ فهذا لا يمنع أن تعوض النساء عن ذلك بما يشبهه.

والأصل المحكم في ذلك هو أن التفاوت في درجات الجنة، والتنعم فيها؛ لا يتعلق بالذكورة والأنوثة، وإنما بالإيمان، والتقوى، والعمل والصالح، كما قال تعالى: ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون [الأحقاف:19]، وقال سبحانه: إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات:13]، وقال عز وجل: فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض {آل عمران:195}، قال الراغب الأصفهاني في تفسيره: إن قيل: ما معنى قوله: (بعضكم من بعض) في هذا الموضع؟

قيل: تنبيها أن الأنوثية والذكورية لا تقتضي اختلاف الحكم في هذا الباب، وإنما الاعتبار بالأعمال، والنيات، فمن قصد فيما يتحراه وجه الله؛ فله بقدره ثواب. اهـ.

وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: {بعضكم من بعض} يعني في الأجر، وتقبل العمل، أي: إن الرجال والنساء في ذلك على حد واحد. اهـ.

وقال القاسمي في محاسن التأويل: {بعضكم من بعض} أي: الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، كلكم بنو آدم. وهذه جملة معترضة مبينة سبب شركة النساء مع الرجال، فيما وعد الله عباده العاملين. اهـ.

وقال ابن كثير في تفسيره: قوله: {بعضكم من بعض} أي: جميعكم في ثوابي سواء. اهـ.

وها هنا أصل محكم آخر، ينبغي أن يرد إليه ما تشابه من مسائل نعيم الجنة، وهو أن كل من يدخل الجنة ينال ما يتمناه ويشتهيه، ويحصل ما يطلبه ويبتغيه؛ فلا حرمان فيها، ولا بؤس، ولا حزن، وراجعي في ذلك الفتوى: 199939.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة