الروح مخلوقة، وحياة الله صفة ذاتية

0 23

السؤال

قرأت منشورا لأحد كبار العلماء في الفلبين، وقال في منشوره ردا على من نفى من الأشاعرة عن الله الروح: إن لله روحا؛ لأنه حي، لكن روحه ليست كأرواحنا....."
ففي بداية الأمر اعتقدت اعتقاد ذاك العالم في "الروح" -وهو إثباتها لله -تعالى- على ما يليق بجلاله- لأنه من كبار العلماء المعتمد على أقوالهم.
لكن لما قرأت قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه "الجواب الصحيح" ونصه: لم يعبر أحد من الأنبياء عن حياة الله بأنها روح الله، فمن حمل كلام أحد من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله، فقد كذب" فكأنه خلاف الإثبات.
السؤال هنا يا شيخي: ما المذهب الصحيح في الروح، هل إثباتها لله على ما يليق بجلاله، أو نفيها عنه سبحانه؟
أفيدونا في ذلك، جزاكم الله خيرا في الدارين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصفة الله -تعالى- هي: الروح -بفتح الراء- بمعنى الرحمة، كما في قوله تعالى: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون [يوسف: 87].

وأما الروح -بضم الراء- فليست من صفات الله تعالى، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 272137، 232390.
وقد أفرد ابن القيم في كتاب الروح مبحثا لمسألة: هل ‌الروح ‌قديمة أم محدثة مخلوقة؟ وإذا كانت محدثة مخلوقة، وهي من أمر الله، فكيف يكون أمر الله محدثا مخلوقا؟ وقد أخبر -سبحانه- أنه نفخ في آدم من روحه، فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة؟ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة.
ثم قال: هذه مسألة زل فيها عالم، وضل فيها طوائف من بني آدم. وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين.

فأجمعت الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة.

هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق له.

وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم -وهم القرون المفضلة- على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها، وأنها مخلوقة حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة. واحتج على ذلك بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله -تعالى- أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه، وقدرته وسمعه وبصره ويده. وتوقف آخرون، وقالوا: لا نقول: مخلوقة ولا غير مخلوقة .. اهـ.
ثم نقل كلام أهل العلم وإجماعهم على أن الروح مخلوقة، وأن إضافتها إلى الله -تعالى- إضافة ملك واختصاص وتشريف.

وقال أيضا في هداية الحيارى: المضاف إلى الله إذا كان ذاتا قائمة بنفسها، فهو إضافة مملوك إلى مالك، كبيت الله، وناقة الله، وروح الله، وليس المراد به: بيت يسكنه، ولا ناقة يركبها، ولا روح قائمة به، وقد قال تعالى: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22]. وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى: 52]. فهذه الروح أيد بها عباده المؤمنين. اهـ.
وهنا ننبه على الخطأ الفج في الربط بين حياة الله -تعالى- ووجود الروح، كما في قول القائل: "إن لله روحا لأنه حي" فهذا خطأ محض! فحياة الله -تعالى- صفة ذاتية لا تنفك عنه عز وجل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: لم يعبر أحد من الأنبياء عن ‌حياة ‌الله بأنها ‌روح ‌الله، فمن حمل كلام أحد من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به ‌حياة ‌الله فقد كذب عليه. ثم يقال: هذا كلامه وحياته من صفات الله كعلمه وقدرته .. اهـ.
وقال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق: أجمع أهل السنة على أن حياة الإله -سبحانه- بلا روح ولا اغتذاء، وأن الأرواح كلها مخلوقة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة