الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى كلمة: الروح وهل هي من صفات الله؟

السؤال

هل الروح من صفات الله؟ والمقصود هنا ليست الروح المذكورة في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي), والتي هي روح مخلوقة, ومملوكة لله -عز وجل-.
وسؤال آخر: ما معنى قوله تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان السائل يسأل عن رَوح الله -بفتح الراء- التي يراد بها الرحمة: فإنها صفة من صفات الله تعالى، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح):

المضافات إلى الله نوعان: أعيان، وصفات؛ فالصفات إذا أضيفت إليه، كالعلم، والقدرة، والكلام، والحياة، والرضا، والغضب، ونحو ذلك، دلت الإضافة على أنها إضافة وصف له، قائم به ليست مخلوقة؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها، فلا بد لها من موصوف تقوم به، فإذا أضيفت إليه علم أنها صفة له. اهـ.

وقال السقاف في كتابه (صفات الله -عز وجل- الواردة في الكتاب والسنة) (ص: 181):
الرَّوح -بفتح الراء وسكون الواو- بمعنى: الرحمة، ونسيم الريح، والراحة (انظر: لسان العرب)، وعلى المعنى الأول: تكون صفة لله -عزَّ وجلَّ-. ورود (رَوْح) بمعنى (رحمة) في القرآن الكريم: قوله تعالى: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. قال ابن جرير في (التفسير) (16/232 - شاكر): ({إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ}؛ يقول: لا يقنط من فرجه, ورحمته, ويقطع رجاءه منه)، ثم نقل بسنده عن قتادة قوله: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ}؛ أي: من رحمته. اهـ.
وقال البغوي:({مِنْ رَوْحِ اللهِ}؛ أي: من رحمة الله، وقيل: من فَرَجِه).

وقال السعدي في تفسير الآية أيضًا (4/27): ({وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ}؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي، والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد فضل الله, وإحسانه, ورحمته, ورّوْحه. {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}، فإنهم لكفرهم يستَبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبَّهوا بالكافرين، ودلَّ هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه).
ورود لفظة (رَوْح) في السنة:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا (الريح من رَوْح اللهِ ... ). حديث صحيح. رواه أبو داود (5075) ، وابن ماجه (3727)، وأحمد (7619 - شاكر)، وغيرهم، وانظر: (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) (1417).
و (رَوْح) هنا: إما بمعنى رحمة, أو هي نسيم الريح، وعلى الأول: تكون صفة، وعلى الثاني: تكون من إضافة المخلوق لله -عزَّ وجلَّ-.
قال ابن الأثير في (النهاية) (2/272): (وفيه: (الريح من روح الله)؛ أي: من رحمته بعباده).

وقال النووي في (الأذكار) (ص 232): ((من روح الله)؛ هو بفتح الراء، قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده).

وقال شمس الحق العظيم آبادي في (عون المعبود) (14/3): ((الريح من روح الله)؛ بفتح الراء، بمعنى الرحمة؛ كما في قوله تعالى: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}).

وقال أحمد شاكر في (شرحه للمسند) (13/144): (وقوله: (من روح الله)؛ بفتح الراء وسكون الواو، أي: من رحمته بعباده)اهـ.
وبنحوه قال الألباني -رحمه الله- في (الكلم الطيب) (153). اهـ.

وقال الملا علي قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3138) عند شرحه لحديث عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "«إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله. قالوا: يا رسول الله, تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ الآية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62]»". رواه أبو داود.
قال الملا علي:
(بروح الله) بضم الراء، وهو: ما يحيا به الخلق، ويكون حياة لهم، وفي بعض النسخ بفتحها، ففي النهاية: الروح بفتح الراء: نسيم الريح، فالمعنى: أنه بإذن الله أو بنفخة من نفخاته، ... وأما رواية الضم فقال القاضي: الروح بضم الراء، قيل: أراد به هنا القرآن؛ لقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى: 52] سمي بذلك لأنه يحيا به القلب، كما يحيا بالروح البدن، والمعنى أنهم يتحابون بداعية الإسلام, ومتابعة القرآن، وما حثهم عليه من موالاة المسلمين, ومصادقتهم. اهـ.
وأما الرُّوح بالضم: فليست من صفات الله تعالى؛ لأنها عين؛ قال الشيخ/ علوي السقاف في كتاب (صفات الله -عز وجل- الواردة في الكتاب والسنة): الرُّوح خَلقٌ من مخلوقات الله -عَزَّ وجَلَّ-، أضيفت إلى الله إضافة ملكٍ وتشريفٍ، لا إضافة وصف؛ فهو خالقها، ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء، سبحانه، وقد وردت في الكتاب والسنة مضافة إلى الله -عَزَّ وجَلَّ- في عدة مواضع. اهـ. ثم ذكر نصوص الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة في ذلك.

وأما عن معنى الآية: فقد جاء في زاد المسير في علم التفسير (2/ 466):
قوله تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله) فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من رحمة الله، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني: من فرج الله، قاله ابن زيد. والثالث: من توسعة الله، حكاه ابن القاسم. قال الأصمعي: الروح: الاستراحة من غم القلب. وقال أهل المعاني: لا تيأسوا من الروح الذي يأتي به الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون؛ لأن المؤمن يرجو الله في الشدائد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني