السؤال
أعطاني شخص مبلغا من المال لتشغيله في التجارة، وبعلمه وموافقته سلمت المال لتاجر مواد إنشائية، واقترح التركي أن يسلم شهريا مبلغا من المال أرباحا، وأرسله أنا إلى صاحب المال بعد أن آخذ لنفسي المبلغ الذي رضي أن يعطيني إياه صاحب المال، وهو 10 بالمائة من تلك الدفعة الشهرية، علما أن المبلغ سلم بالدولار، وثبت كل شيء بعقد رسمي، والدفعة الشهرية أيضا بالدولار، فهل في ذلك إثم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان العقد الذي حصل بينك وبين التاجر ينص على أن لرب المال مبلغا مقطوعا، أو نسبة معلومة من رأس المال؛ فهذا عقد باطل، جاء في الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما -أو كلاهما- لنفسه دراهم معلومة. انتهى. وراجع الفتوى: 284812.
وأما إذا كان العقد بينك وبين التاجر ينص على أن للتاجر نسبة معلومة من الربح -كخمسة بالمائة، أو عشرة بالمائة، أو نحو ذلك-، ولصاحب المال بقية الربح؛ فهذه مضاربة صحيحة؛ والاتفاق على أن يدفع المضارب لصاحب المال في كل شهر مبلغا تحت الحساب، ثم تتم المحاسبة عند قسمة الأرباح؛ فهذا جائز، وراجع الفتوى: 416806.
ويكون للتاجر نصيبه من الربح المتفق عليه، وأما أنت فلا يصح عند الجمهور أن تشترط لنفسك شيئا من الربح، قال البغوي -رحمه الله- في التهذيب في فقه الإمام الشافعي: ولا يجوز للعامل أن يقارض بمال القراض رجلا آخر بغير إذن رب المال؛ فإن قارض؛ نظر: إن فعل ذلك بإذن رب المال؛ جاز، كما لو وكله بأن يقارض آخر، ويكون كما لو قارض بنفسه، فإن شرط الأول لنفسه شيئا من الربح؛ كان فاسدا، والربح والخسران لرب المال وعليه، وللعامل الثاني أجر المثل على رب المال. انتهى.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة؛ جاز ذلك. نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا. ويكون العامل الأول وكيلا لرب المال في ذلك. فإذا دفعه إلى آخر، ولم يشرط لنفسه شيئا من الربح، كان صحيحا. وإن شرط لنفسه شيئا من الربح، لم يصح؛ لأنه ليس من جهته مال، ولا عمل، والربح إنما يستحق بواحد منهما. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن العامل الأول إذا كان اشترط على رب المال حصة معلومة من الربح مطلقا؛ فضارب بإذنه عند مضارب آخر على أقل من حصته؛ فله ما بقي من حصته من الربح؛ فمثلا إذا كان له عشرة بالمائة من الربح؛ فضارب آخر على أن له خمسة بالمائة؛ فإنه في هذه الحال يستحق خمسة بالمائة من الربح، جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: وإن أذن رب المال له، أي: للمضارب بالدفع إلى آخر بالمضاربة، فضارب المضارب بالثلث، والحال أنه قد قيل له، أي: وكان رب المال قال للمضارب الأول: ما رزق الله بيننا نصفان، أو ما رزق الله فلي نصفه، أو ما فضل من رأس المال فنصفان، فعمل الثاني وربح، فنصف الربح لرب المال، وثلثه للثاني، أي: للمضارب الثاني، وسدسه للأول، أي: للمضارب الأول؛ لأن الدفع إلى الثاني مضاربة؛ لأنه بإذن المالك، وقد شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى، وقد جعل المضارب الأول للثاني ثلثه، فينصرف ذلك إلى نصيبه؛ لأنه لا يقدر أن ينقص من نصيب رب المال شيئا، فيبقى للأول السدس، ويطيب ذلك لكلهم؛ لأن رب المال يستحقه بالمال، وهما بالعمل.
وإن دفع المضارب الأول للثاني بالنصف والمسألة بحالها، فنصفه، أي: الربح لرب المال، ونصفه للثاني، أي: للمضارب الثاني، ولا شيء للأول؛ لأن المالك شرط لنفسه جميع الربح؛ فانصرف شرط الأول النصف للثاني إلى نصيبه، فيكون للثاني بالشرط، ويخرج الأول بغير شيء؛ لأنه لم يبق له.
وإن شرط الأول للثاني الثلثين، أي: ثلثي الربح، والمسألة بحالها، فكما شرط، يعني لرب المال النصف للمضارب وللثاني الثلثان ويضمن المضارب الأول للثاني سدسا، أي: سدس الربح من ماله؛ لأن المالك شرط النصف لنفسه؛ فله ذلك، واستحق المضارب الثاني ثلثي الربح بشرط الأول؛ لأن شرطه صحيح؛ لكونه معلوما، لكن لا ينفذ في حق المالك؛ إذ لا يقدر أن يغير شرطه؛ فيغرم له قدر السدس تكملة للثلثين؛ لالتزامه بالعقد.
وإن كان قيل له، أي: للمضارب الأول، يعني قال له رب المال: ما رزقك الله تعالى أو ما ربحت بيننا نصفان، فدفع المضارب لآخر مضاربة بالثلث، فعمل الثاني وربح، فلكل منهم، أي: لكل واحد من المالك والمضارب الأول والثاني ثلثه؛ لأن ثلث الربح مشروط للثاني، وما بقي من الربح ثلثان، وهو مرزوق للأول، فنصف الثلثين هو الثلث لرب المال على ما شرط، ولا يبقى للأول إلا الثلث، ويطيب لهم أيضا. انتهى.
والله أعلم.