توضيح معنى: "فإقامة العدل المطلق لا تكون في الدنيا بل تكون في الآخرة"

0 28

السؤال

قرأت في فتاوى الموقع (إسلام ويب): "فإقامة العدل بين العباد، إنما يتحقق كاملا في الآخرة، عندما توضع موازين القسط ليوم القيامة؛ فلا تظلم نفس شيئا.
وأما في الدنيا فقد يموت المظلوم بمظلمته، ويموت الظالم بظلمه، دون أن يقام العدل بينهما؛ حتى تقتص بينهم المظالم يوم القيامة.
وكذلك فإن المحسنين في الدنيا يموت بعضهم دون أن يرى جزاء إحسانه فيها؛ حتى يجزى بذلك يوم القيامة". اهـ.
وفي فتوى أخرى: "فإقامة العدل المطلق لا تكون في الدنيا، بل تكون في الآخرة، حيث يقول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:47]، وقال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة؛ حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم". اهـ.
ونحن المسلمين نؤمن إيمانا جازما أن الله هو الحكم العدل سبحانه، وأن عدله كامل مطلق أزلا وأبدا، لا يظلم مثقال ذرة، ولكن الناس أنفسهم يظلمون؛ فكل أقداره عدل مطلق سبحانه وبحمده.
والعدل كامل مطلق في الدنيا، وكامل مطلق في الآخرة، لا فرق: مطلق كامل في الدنيا بأن الله لا يظلم مثقال ذرة، ولا يكون في حكمه أبدا وضع شيء في غير موضعه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وكامل مطلق في الآخرة، ويحصل الجزاء بمثقال الذرة، وهذا الجزاء لا يكون في الدنيا؛ لأن الدنيا دار امتحان وتكليف.
فإذا كنا نؤمن أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأن العدل وضع الشيء في موضعه؛ فمحاسبة الظالم، والاقتصاص منه يوم القيامة دون الدنيا، وابتلاء المظلومين في الدنيا هو من العدل، والحكمة، وهو من تمام صفات الله الكاملة، بل إن الابتلاء للمؤمن خير، ورحمة من الله؛ إذ به يؤجر، ويكفر به عنه من سيئاته، والحمد لله رب العالمين، فهل كون الجزاء والحساب والاقتصاص للمظلوم من الظالم إنما يكون في الدار الآخرة، مسوغا لقول: (إن إقامة العدل المطلق في الآخرة لا في الدنيا)؟! مع ما توهمه العبارة من معنى كفري -والعياذ بالله-؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فوقوع الظلم في الدنيا أمر ثابت شرعا وقدرا، حسا وعقلا، وهذا لا يتعارض مع نفي الظلم عن الله تعالى! وإلا ففي القرآن المجيد آيات كثيرة تنفي ذلك، وتثبت في الوقت نفسه وقوع الظلم من الناس، كما قال تعالى: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون [يونس:44]، وغيرها من الآيات.

والسائل نفسه لا يخالف في أن جزاء هذا الظلم، وحساب الظالم عليه، والاقتصاص للمظلوم منه، إنما يكون بكماله في الآخرة، وإن كانت الدنيا لا تخلو من بعض ذلك، وهذا هو معنى الإطلاق في قولنا: (العدل المطلق)؛ فهذا لا يقام بين العباد في الدنيا داء التكليف والبلاء، وإنما في الآخرة دار الحساب والجزاء؛ وذلك أن حكم الله تعالى بين العباد إنما يكون في الآخرة، كما قال تعالى: الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون [الحج:69]، وقال سبحانه: ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون [آل عمران:55].

فهناك يقام الوزن الحق، لا في الدنيا، كما قال تعالى: والوزن يومئذ الحق [الأعراف:8]، قال الشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي: المعنى: الإخبار بأن الوزن الحق، وتمييز الأعمال يقع في ذلك اليوم، لا في أيام ‌الدنيا، ألا ترى قوله: {ونضع ‌الموازين ‌القسط ليوم ‌القيامة}؟ اهـ.

وهذا من أسباب تسمية يوم الحساب بيوم القيامة، قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة آل عمران: سمي ‌يوم ‌القيامة لأمور ثلاثة: الأول: قيام الناس من قبورهم. والثاني: يوم يقوم الأشهاد. والثالث: ‌يقام فيه العدل، {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ...}. اهـ. 

ونفي الظلم عن الله، مع ثبوت وقوعه في الدنيا، ونسبته إلى الخلق، أوضح من حيث المعنى من نفي الشر عن فعل الله تعالى، مع ثبوته في مفعولاته، أي: مخلوقاته.

وهذا قد سبق لنا بيانه في عدة فتاوى، انظر منها الفتويين: 310345، 135313.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة