السؤال
أعلم بأن سفر المرأة دون محرم تم الاختلاف عليه فمنهم من قال إنه لا يجوز أن تسافر إلا بوجود محرم استنادا على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم أجاز أن تسافر وحدها إذا أمنت الطريق كما قال ابن تيمية وغيره بالاستناد إلى عدة أمور لكن سؤالي من أجاز للمرأة السفر وحدها بماذا شرح الأحاديث وما حجته في عدم قبولها(الأحاديث)
وجزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجدر التنبيه إلى أن الغالبية العظمى من الذين أجازوا للمرأة السفر بلا محرم إنما قصروا ذلك على سفر الحج الواجب، والعمرة الواجبة عند من أوجب العمرة، ولم يجيزوا لها السفر مطلقا بلا محرم كما هو حادث اليوم وعمت به البلوى وانتشرت بسببه المخازي والمصائب التي لا ينكرها إلا مكابر، وشذ بعضهم فأجاز للمرأة السفر بلا محرم في كل الأسفار، قال الحافظ في "فتح الباري": قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت، وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون، فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة... وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم، فنص في نفس الحديث على منع الحج، فكيف يخص من بقية الأسفار، والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات، وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة، وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب: تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا، وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة، وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها واستحسنه الروياني، قال: إلا أنه خلاف النص.
والذين أجازوا للمرأة سفر الحج الواجب والعمرة الواجبة استندوا إلى أدلة رأوا أنها تخصص الأحاديث الدالة على نهيها عن السفر بلا محرم.
فمن هذه الأدلة:
- أن الله تعالى قد أوجب الحج على الرجل والمرأة على السواء، ولم يقيد ذلك بوجود محرم، فقال عز من قائل: [
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ] (آل عمران: 97).
- ونوقش هذا الدليل بأن النصوص دلت على تحريم سفر المرأة بلا محرم، ولم يخصص سفرا دون سفر، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها، فلا يجوز أن يغفله ويهمله، بل قد جاءت نصوص تفيد منعها من سفر الحج بلا محرم، وقد سبقت الإشارة إلى الحديث الذي رواه الدار قطني وصححه أبو عوانة بلفظ: لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم. وذلك في كلام الحافظ الذي تقدم، ومن الأدلة أيضا: ما رواه البخاري عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال يا عدي: هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله.
ونوقش هذا الدليل بأنه يدل على وجود السفر لا على جوازه، ولذا لم يذكر فيه وجود غيرها معها، والذي أجازوا لها السفر إلى الحج الواجب والعمرة الواجبة بلا محرم قد اشترطوا وجود غيرها معها.
ومن الأدلة أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لزيد بن حارثة: ألا تنطلق فتأتي بزينب؟ قال: بلى، فانطلق فأتى بها. رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" وزينب كانت بمكة وزيد كان بالمدينة، ونوقش هذا الدليل بما قاله الطحاوي: تأملنا ما كان من رسول الله عليه السلام في هذا الحديث من إطلاقه لزيد السفر بزينب فوجدنا زيدا قد كان حينئذ في تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه حتى كان يقال له بذلك زيد بن محمد، ولم يزل بعد ذلك كذلك إلى أن نسخ الله ذلك، فأخرجه من بنوته ورده إلى أبيه في الحقيقة.. فوقفنا على أن ما كان أمر به عليه السلام زيدا قبل ذلك في زينب وفي إباحته لها وله السفر من كل واحد منهما مع صاحبه كان على الحكم الأول، وفي الحال التي كان زيد فيها أخا لزينب، فكان بذلك محرما لها جائزا له السفر بها، كما يجوز لأخ لو كان لها من النسب من السفر بها فهذا وجه هذا المعنى من هذا الحديث. والله أعلم.
ومن الأدلة أيضا: ما رواه البخاري من أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.
ونوقش هذا الدليل بأنه لا يدل على أنهن سافرن بلا محرم، فمثلا حفصة كان محرمها والدها عمر رضي الله عنهما، ولا يعدم أن يكون مع عائشة أخوها عبد الرحمن، ولا مع ميمونة ابن أختها ابن عباس، وهكذا.
كما أن من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من امتنعت من السفر، روى أحمد وأبو داود وصححه الحافظ في "الفتح" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر... فكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن إلا سودة وزينب، فقالتا: لا تحركا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تم سفر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الحيطة والتحفظ، ففي بعض طرق الأثر كما في "الفتح" أن عثمان كان ينادي ألا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج على الإبل، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب، فلم يصعد إليهن أحد، ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب، ومعلوم أن هذه صفة لا تتوفر لأي امرأة الآن.
وهناك أدلة أخرى تركنا ذكرها اختصارا، وجميعها لا تدل على ما ذهبوا إليه، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 3096.