السؤال
هل من تقديم حبنا وتعظيمنا لله أن نحب ونعظم صفاته وأسماءه وأفعاله أكثر من أي مخلوق، بنفس درجة حبنا له، ليس لذات الصفة، بل لأنها لله؟ وهل يجب أن نقدم حب القرآن على حب الرسول صلى الله عليه وسلم وكل المخلوقات؟
هل من تقديم حبنا وتعظيمنا لله أن نحب ونعظم صفاته وأسماءه وأفعاله أكثر من أي مخلوق، بنفس درجة حبنا له، ليس لذات الصفة، بل لأنها لله؟ وهل يجب أن نقدم حب القرآن على حب الرسول صلى الله عليه وسلم وكل المخلوقات؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمحبة أسماء الله وصفاته وأفعاله، إنما هي من محبة الله ذاته، لا تنفك عنها، وتعظيم ذلك من تعظيمه، فإن محبته سبحانه إنما هي محبة ذاته المقدسة، الموسومة بأسماء الجلال، الموصوفة بصفات الجمال، الفاعلة لأفعال الكمال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: لفظ "الغير" يراد به ما يجوز مباينته للآخر، ومفارقته له. وعلى هذا؛ فلا يجوز أن يقال: علم الله غيره، ولا يقال: إن الواحد من العشرة غيرها، وأمثال ذلك.
وقد يراد بلفظ "الغير" ما ليس هو الآخر. وعلى هذا؛ فتكون الصفة غير الموصوف، لكن على هذا المعنى لا يكون ما هو غير ذات الله الموصوفة بصفاته مخلوقا؛ لأن صفاته ليست هي الذات؛ لكن قائمة بالذات، والله سبحانه وتعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات كماله، وليس الاسم اسما لذات لا صفات لها؛ بل يمتنع وجود ذات لا صفات لها. اهـ. وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 300526، 379288، 447700.
والقرآن الكريم إنما هو كلام الله تعالى، غير مخلوق؛ فلا ينبغي أن يقارن بأي مخلوق -نبيا كان أو غيره- في المحبة، أو التعظيم، أو غير ذلك، وراجع الفتوى: 71768.
وهنا ننبه على أن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت كذلك لكونه متلقيا لكلام الله تعالى بالوحي، ومبلغا إياه للناس، وإلا فهو بشر مثلنا، ولكنه فضل بالنبوة والرسالة، التي تعني تلقي كلام الله، وتبليغه، وبيانه، قال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي [الكهف:110] [فصلت:6]، قال الشوكاني في فتح القدير: أي: إنما أنا كواحد منكم، لولا الوحي. اهـ.
وقال تعالى: ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [النساء:113]، قال السعدي في تفسيره: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم، والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء، وعلم الأولين والآخرين.
والحكمة: إما السنة التي قد قال فيها بعض السلف: إن السنة تنزل عليه كما ينزل القرآن، وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل الأشياء منازلها، وترتيب كل شيء بحسبه.
{وعلمك ما لم تكن تعلم} وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}، {ووجدك ضالا فهدى}، ثم لم يزل يوحي الله إليه، ويعلمه، ويكمله؛ حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين. اهـ.
وجاء في مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم: عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق. فلو وزن عقله بعقولهم لرجحها، وقد أخبر الله أنه قبل الوحي لم يكن يدري ما الإيمان، كما لم يكن يدري ما الكتاب، فقال الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}، وقال تعالى: {ووجدك ضالا فهدى}، وتفسير هذه الآية بالآية التي في آخر سورة الشورى.
فإذا كان أعقل الخلق على الإطلاق، إنما حصل له الهدى بالوحي، كما قال تعالى: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب}، فكيف يحصل لسفهاء العقول، وأخفاء الأحلام الاهتداء إلى حقائق الإيمان بمجرد عقولهم دون نصوص الوحي!. اهـ.
والله أعلم.