الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فوجود الله تعالى هو أحق حقائق الوجود، وأظهرها، وأثبتها، وأصحها
وليس يصح في الأذهان شيء .. إذا احتاج النهار إلى دليل!
فكل ما نراه من أنفسنا، وما حولنا، يدل على وجود الخلق العليم سبحانه وتعالى، وإلا فهل أوجدت هذه المخلوقات نفسها، أم خلقت من غير شيء؟!
وكلا الاحتمالين باطل في حكم العقل، والفطرة؛ فتعين أن لها خالقا مدبرا حكيما، وهو الله سبحانه؛ ولذلك قال تعالى: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون [الطور:35-36]، قال السعدي في تفسيره: وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل، والدين.
وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله؛ وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.
وقد تقرر في العقل، مع الشرع؛ أن الأمر لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:
إما أنهم خلقوا من غير شيء، أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد، ولا موجد، وهذا عين المحال.
أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال؛ فإنه لا يتصور أن يوجدوا أنفسهم.
فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما؛ تعين القسم الثالث: أن الله الذي خلقهم.
وإذا تعين ذلك؛ علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له تعالى.
وقوله: {أم خلقوا السماوات والأرض} وهذا استفهام يدل على تقرير النفي، أي: ما خلقوا السماوات والأرض؛ فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدا، ولكن المكذبين {لا يوقنون} أي: ليس عندهم علم تام، ويقين يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية، والعقلية. اهـ.
ولوضوح دلالة هذه الآيات وسطوعها؛ كانت سببا في إسلام بعض المشركين، فهذا جبير بن مطعم كان كافرا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور، فلما بلغ هذه الآية: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون {الطور:35-37}، قال: كاد قلبي أن يطير. رواه البخاري.
فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سببا في إسلامه، وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان، وروعته، وفصاحته، وبلاغته، ومن وضوح الحجة، وسطوع الحق، وقد سبق لنا بيان الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله في عدة فتاوى، منها الفتاوى: 22279، 52377، 210655، 415018.
والذي نريد أن نلفت إليه نظر السائل أن سوء سلوك، أو فهم بعض المسلمين، ليس حجة على الإسلام وقضايا الإيمان، وإنما الحجة في كتاب الله، وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا أردت أن تحكم على الإسلام؛ فارجع إلى القرآن، وإلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهديه؛ فهو المثل الذي جعله الله قدوة للمسلم، كما قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب: 21].
ومن أظهر ما يميز شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم: رحمته، وحسن خلقه، وقد قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء:107]، وقال سبحانه: وإنك لعلى خلق عظيم [القلم:4]، وقال عز وجل: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة:128]، وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة. رواه الدارمي، والبيهقي، وصححه الألباني.
وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته في قضية الأخلاق، فقال: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق. وفي رواية: مكارم الأخلاق. رواه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي، وصححه الألباني.
فدع عنك الصورة التي بنيتها عن الإسلام والدين، وارجع إلى القرآن؛ فتدبره، واجتهد في فهمه، وإلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتعرف إليها؛ فعندئذ تعرف ما هو الإسلام، وتقف على حقائق الدين، ويطمئن قلبك.
والله أعلم.