السؤال
يستدل بعض الطوائف بعدم حجية القياس بمثل ما ورد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله: قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
وعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال: (إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن المرأة تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها، يا أبا حنيفة، إن السنة إذا قيست محق الدين).
وعن عيسى بن عبد الله القرشي، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله جعفر الصادق، فقال له: يا أبا حنيفة، بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس؛ فإن أول من قاس إبليس.
عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، أن علي بن أبي طالب قال: من نصب نفسه للقياس، لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي، لم يزل دهره في ارتماس، فما صحة هذه الأدلة؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل من الآثار لا يصح إسناده.
وأما معناه ومؤداه، فإن حجية القياس قد اختلف فيها أهل العلم، والراجح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه حجة، إذا توفرت فيه شروط صحته، وأنه باطل إذا اختلت شروطه، وأهم ذلك وأشهره: القياس في مصادمة النص.
ولهذا ورد عن الأئمة من الصحابة فمن بعدهم ذم القياس، والتحذير منه، وبوب على ذلك الأئمة، كما فعل البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، فقال: باب: ما يذكر من ذم الرأي، وتكلف القياس. وبعده: باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي، فيقول: "لا أدري"، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي، ولا بقياس. وبعده: باب: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله، ليس برأي، ولا تمثيل.
وبوب الدارمي في سننه: باب تغير الزمان وما يحدث فيه. أسند فيه آثارا في ذم القياس، وبوب كذلك: باب في كراهية أخذ الرأي.
قال الشيخ الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه: ما ورد عن الصحابة من ذم الرأي، والتحذير منه، إنما يعنون به الرأي الفاسد، كالقياس المخالف للنص، أو المبني على الجهل؛ لإجماعهم على العمل بالرأي والاجتهاد فيما لا نص فيه، وإلى هذا أشار في المراقي بقوله:
وما روي من ذمه فقد عني ... به الذي على الفساد قد بني. اهـ.
والمقصود أن القياس بضوابطه، وفي محله؛ دليل شرعي صحيح، وأما في غير محله؛ فباطل مذموم.
ولذلك فإن الحافظ ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله عقد بابا في: اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة. وآخر في: إثبات المقايسة في الفقه. وآخر في: نفي الالتباس في الفرق بين الدليل والقياس، وذكر من ذم القياس على غير أصل، وما يرده من القياس أصل. وآخر في: ما جاء في ذم القول في دين الله تعالى بالرأي والظن والقياس على غير أصل، وعيب الإكثار من المسائل دون اعتبار.
والخلاصة: أن القياس منه ما هو صحيح وحجة، ومنه ما هو باطل، وتفصيل ذلك يرجع فيه لكتب أصول الفقه، وانظر الفتوى: 75439.
والله أعلم.