السؤال
ما حكم استعمال الرجل لحاف حرير مغطى بالقطن؟ فقد انتشر في الآونة الأخيرة نوع من أغطية السرير (الألحفة) عبارة عن حشو، أو بطانة من ألياف الحرير الطبيعي (الذي يخرج من الدودة) غير المنسوجة، يخاط عليها من الخارج طبقة غطاء من قماش القطن، أو الأنسجة الصناعية، أو خليط منها، ورغم كونها أغلى ثمنا من أنواع الألحفة الأخرى لاحتوائها على الحرير، إلا أنها مرغوبة لفوائدها الصحية؛ فهي تقاوم نمو البكتيريا، وحشرة الفراش، ولا تسبب الحساسية والربو، كما أنها خفيفة الوزن، وتوفر تدفئة أفضل، وتساعد على تنظيم حرارة الجسم طول الوقت، وتقلل التعرق، فهل يجوز التحاف الرجل هذه الألحفة، علما أن الحرير لا يمس جسده مطلقا، ولا تراه عينه؛ لوجود طبقة الغطاء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن التغطي بالحرير الخالص، حكمه حكم لبسه، والجلوس عليه، في قول جمهور أهل العلم، قال النووي في المجموع: يحرم على الرجل استعمال الديباج والحرير في اللبس، والجلوس عليه، والاستناد إليه، والتغطي به، واتخاذه سترا، وسائر وجوه استعماله ... هذا مذهبنا.
فأما اللبس فمجمع عليه.
وأما ما سواه فجوزه أبو حنيفة، ووافقنا على تحريمه مالك، وأحمد، ومحمد، وداود، وغيرهم.
دليلنا: حديث حذيفة. ولأن سبب تحريم اللبس موجود في الباقي. ولأنه إذا حرم اللبس مع الحاجة؛ فغيره أولى.
هذا حكم الذكور البالغين. اهــ.
والذي فهمنا من السؤال أن البطانية محشوة بالحرير، وظاهرها ليس حريرا -قطن أو غيره-:
فإن كان الأمر كذلك، فقد اختلف الفقهاء في حكم استعمال ما كان محشوا بالحرير، أو ما كان باطنه من حرير وظاهره من غير الحرير، فمنهم من قال بالتحريم، ومنهم من قال بالجواز، قال المرداوي -الحنبلي- في الإنصاف: قوله (ويباح حشو الجباب والفرش به)، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
ويحتمل أن يحرم، وهو وجه لبعض الأصحاب. وذكره ابن عقيل رواية. اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في العمدة: وأما حشو الثياب والفرش بالحرير، فالمشهور من الوجهين أنه مباح من غير كراهة؛ لأنه لا يستبين، ولا يستمتع به، وليس فيه سرف. والوجه الآخر يحرم. اهــ.
وقال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع: (ويباح حشو الجباب، و) حشو (الفرش به) أي: بالحرير؛ لأن ذلك ليس بلبس له، ولا افتراش، وليس فيه فخر، ولا عجب، ولا خيلاء...اهـ.
وعند المالكية ما يخالف هذا، فقد نص فقهاؤهم على تحريم استعمال المحشو بالحرير، جاء في الفواكه الدواني: وحرمة الجلوس على الحرير والذهب مستمرة، ولو فرش غيره عليه، فلا يجوز لبس المبطن بالحرير، أو المحشو بالحرير، أو المرقوم بالحرير، إلا أن يكون يسيرا. اهــ.
كما نصوا على تحريم ما لحمته حرير -أي: باطنه- وسداه من غير الحرير -أي: ظاهره-، ففي حاشية العدوي، -من كتب المالكية-: وأما ما لحمته حرير، وسداه وبر ونحوه، فحرام. اهــ.
فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم -كما رأيت-.
ولا شك أن الأحوط والأبرأ للذمة عدم استعمال ذلك اللحاف المحشو بالحرير للرجال؛ خروجا من الخلاف.
والله أعلم.