السؤال
كثر الحديث عن التعدد بأشكال كثيرة، وأنا كامرأة، لا أستطيع فهمه. الأصل في الإسلام البناء، وليس الهدم، ولكن التعدد يأتي بتشريد الأطفال، والحرمان من والدهم، وحرقة قلب المرأة، كيف لامرأة أن تتقبل بنفس سوية إقامة زوجها لعلاقة جنسية مع غيرها (وإن كانت تحت الزواج)؟ أليس هذا في علم النفس تصرف غير سوي؟ ومن المضحك أن يقولوا: إن الرجل يتزوج؛ لأن زوجة واحدة لا تعفه. هل عشتم إناثا من قبل؟
هل تعلمون كم امرأة زوجها لا يعفها عاطفيا، ولا جنسيا في مجتمعنا العربي؟
إذا لم توضع في الاعتبار حاجات المرأة الفطرية، وحصل التغاضي عن احتياجاتها، وعاشت بهذا الوضع، فليس لها سوى الانفصال، وتعيش بوصمة عار في المجتمع المريب الذي نعيش فيه. إنها تنتقد إذا تجرأت، وطلبت الانفصال؛ لأن زوجها لا يعفها، أو غير كاف لها.
أوليس الاثنان لهما نفس الفطرة؟ تناقض عجيب بين مبررات التعدد، وبين واقعنا الحقيقي، ولو قمت بعمل بحث، ستجد أن عدد النساء اللاتي لا يقوم أزواجهن بواجباتهن الزوجية تجاههن ضعف العكس.
أنا أثق في ديني، وفي ربي، ولكن يقيني أن المشكلة نبعت أولا من عند الشيوخ، ثم المجتمع.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دامت الأخت السائلة تثق بدينها، وربها، فلترجع إلى نص القرآن، وإلى صريح السنة المتواترة قولا، وعملا، وعمل المسلمين قاطبة على مر قرون متطاولة، ولتبحث خلال ذلك عن حكم تعدد الزوجات بالضوابط والشروط التي جاءت بها الشريعة، فإذا عرفته، فلتعلم أنه الحق الذي لا مرية فيه، ولا شبهة، وأن ما يعارضه، إنما هو من أهواء النفوس، وغلبة العادات، ووساوس شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
وخلاصة ذلك: أن نصوص القرآن، وشريعة الإسلام -وليس الشيوخ أو المجتمع- قد أباحت تعدد الزوجات بشرط العدل، ومراعاة القدرة.
وأما دعوى السائلة أن التعدد يأتي بتشريد أطفال، وحرمانهم من والدهم، وحرقة قلب نساء، فهذا إن حصل، فسببه ليس التعدد، وإنما سوء أخلاق وأفعال الزوج، أو الزوجة، أو كليهما معا. وحسبنا في ذلك؛ أن نرجع إلى سير المسلمين الأوائل من عهد الصحابة، والتابعين، ومن سار على نهجهم ممن جاء بعدهم، فسنجد أن التعدد في أغلب الأحوال، لم تزدد به الأسر إلا صلة وترابطا، ولا المجتمعات إلا قوة وتماسكا. ويتضح ذلك أكثر إذا نظرنا في أحوال عصرنا الذي قلت فيه نسبة التعدد جدا، ومع ذلك زادت حالات الطلاق زيادة مفزعة.
وأما تقبل المرأة لزواج زوجها بغيرها، فينبغي أن يحصل فيه التوازن بين تعايش المرأة، وقبولها لهذا الوضع، وبين مراعاة غيرتها وطبعها.
فلا تتعدى بها الغيرة إلى تحريم ما أحل الله، وإهدار المصالح المترتبة على التعدد بصورته الشرعية، فضلا عن وصف ذلك بأنه: (تصرف غير سوي)!! فهذا فيه سوء أدب، وتغليب للطبع على الشرع، فقد عدد الأنبياء، والصالحون، والعقلاء الراشدون، وكانت زوجاتهم من العاقلات الراشدات، وعملهم هو الميزان السوي للتصرفات والأحوال.
ثم إن حصر منافع وفوائد تشريع التعدد في إشباع حاجة الرجل: جهل بالشرع، والواقع معا، فإن للتعدد -ولاسيما في الأحوال الخاصة- من المنافع ما يقر به العقلاء حتى من غير المسلمين، وممن يعيشون في بلاد تحرم التعدد، بل وتجرمه. وحسبنا في هذا أن الخالق سبحانه أذن فيه وأباحه في محكم كتابه وقد قال:ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}.
ومع هذا فلا بد من توفر شروطه وضوابطه للإذن فيه، ومن فعله وأخل بشروطه وظلم فقد تعدى حدود الله وقد قال تعالى: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين {النساء:14}
ولمزيد من الفائدة انظري الفتويين: 2286 ، 71992.
والله أعلم.