تفنيد شبهة أن خلق النار إجبار على الإيمان

0 24

السؤال

‏‏كنا نقرأ أنا، وصديقي كتاب: كبرى اليقينيات الكونية، قسم الإنسان مخير أم مسير، ففهمنا القسم، وفهمنا إرادة الله، وكيف وهب الله الإنسان الإرادة، فيختار، وأن هذه الإرادة هي من إرادة الله، وأن الإنسان مخير في ما سيكسبه سيختار طريق الحق، أم طريق الشر، ولكن ظهر لدينا سؤال لم نجد إجابة عليه في الكتاب، ولا في موقعكم.
السؤال هو: ‏صحيح أن الله -تبارك وتعالى- قد أعطاني قدرة الاختيار ‏في أفعالي، فأنا أقرر ما سأفعله من خير، أو شر، والله سيحاسبني على اختياراتي، ولكن ‏عندما خلق الله النار والعقاب يكون قد أجبرني على اختيار طريق الإيمان.
أي عاقل سيختار طريق النار؟ وطريق العقاب الأبدي؟ فأنا مجبر بشكل، أو بآخر أن اختار طريق الإيمان، وإلا سوف أخلد في النار.
أليس هذا نوعا من أنواع الإجبار والقسر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنفي الجبر في قضية القضاء والقدر معناه: إثبات إرادة العبد، واختياره لأفعاله التي تقع في دائرة التكليف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الجبر المعقول الذي أنكره سلف الأمة، وعلماء السنة، هو أن يكون الفعل صادرا على الشيء من غير إرادة، ولا مشيئة، ولا اختيار، مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح ... ومثله في الأناسي حركة المحموم، والمفلوج، والمرتعش. فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان، وقعوده، وصلاته، وجهاده، وزناه، وسرقته، وبين ارتعاش المفلوج، وانتفاض المحموم. ونعلم أن الأول قادر على الفعل، مريد له، مختار، وأن الثاني غير قادر عليه، ولا مريد له، ولا مختار. والمحكي عن جهم وشيعته الجبرية أنهم زعموا: أن جميع أفاعيل العباد قسم واحد. وهو قول ظاهر الفساد. وبما بين القسمين من الفرقان انقسمت الأفعال إلى: اختياري، واضطراري، واختص المختار منها بإثبات الأمر، والنهي عليه، ولم يجئ في الشرائع، ولا في كلام حكيم أمر الأعمى بنقط المصحف، والمقعد بالاشتداد، أو المحموم بالسكون، وشبه ذلك ... اهـ.
فنفي الجبر ليس معناه استواء الاختيارات، واتحاد المصائر، وكذلك ليس معناه رضا الله تعالى بالكفر، والفسوق، والعصيان، أو التسوية بين ذلك وبين الطاعة والإيمان! فالله تعالى كما خلق للعبد إرادة يختار بها فعله، ويستحق عليها الجزاء، فقد بين له السبيل، وأقام عليه الحجة، وميز له بين الخير والشر، وفرق له بين أهل الجنة وأهل النار، كما قال تعالى: وهديناه النجدين {البلد:10}، وقال سبحانه: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا. إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا. إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا {الإنسان:2-5}، فإذا لم يكن خلق الجنة جبرا للناس على الإيمان والطاعة، فكذلك خلق النار، ليس جبرا لهم على الكفر والعصيان! وإلا فلو كان الأمر جبرا لاتحدت مصائر الناس جميعا، ولكن الحال ليس كذلك، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير {الشورى:7}، فطالما أن الناس قد اختلفوا فيما يختارون من الأعمال، فكان لا بد أن يختلف جزاؤهم بحسب اختلاف أعمالهم، كما قال تعالى: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار {ص:28}، وقال سبحانه: أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون {القلم:35-36}، وقال عز وجل: وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون {غافر:58}، ولا يخفى أن من رحمة الله تعالى، وإحسانه إلى عباده، بيان أحوالهم في الآخرة، وعاقبة اختيارهم لأعمالهم. قال تعالى: ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة {الأنفال:42}، فهذا عدل الله تعالى، وحكمته، وذاك فضله ورحمته. 

ثم إننا نلفت نظر الأخ السائل إلى خطورة الخوض في مسائل القدر، وإخضاعها للنظر العقلي، وقياسها على الواقع في حياة الناس، وإنما مبناه على الإيمان بالغيب، والتسليم لنصوص الشرع، وراجع في ذلك للأهمية الفتوى: 436660

وأخيرا ننبه السائل على أن الكتاب الذي ذكره في بعض مواضعه نظر، ومنها منهجه في قضية القدر، لذلك لا ينبغي أن يطالعه إلا من رسخت قدمه في العلم بالسنة، وفي ما سواه من كتب أهل السنة غنى ومقنع، لمن أراد معرفة مذهب السلف في مثل هذه القضايا الشائكة. وانظر للفائدة الفتويين: 421129، 297310
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة