السؤال
أريد أن أعرف مذاهب الفقهاء في كيفية ثبوت حقوق الناس في الذمة، هل تثبت بغلبة الظن؟ أم لا بد من اليقين؟
أريد أن أعرف مذاهب الفقهاء في كيفية ثبوت حقوق الناس في الذمة، هل تثبت بغلبة الظن؟ أم لا بد من اليقين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا من مواضع النظر والخلاف، والفروع فيه متشعبة، ولا يطرد العمل فيها بقاعدة واحدة دائما، والبحث والتأصيل في ذلك ليس مجاله الفتوى.
والذي يمكن إجماله هنا أن: الظن الغالب يصح العمل به في المسائل التي لا يمكن تحصيل العلم فيها، كما قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في شرح السير الكبير: ما لا طريق إلى معرفة حقيقته يبنى الحكم فيه على أكثر الرأي. اهـ.
وقال السرخسي في المبسوط: غالب الرأي يقام مقام الحقيقة فيما لا طريق إلى معرفته حقيقة. اهـ.
وقال في موضع آخر: ما لا طريق إلى معرفته حقيقة يعتبر فيه غالب الرأي. اهـ.
وقال أيضا: ما لا طريق لنا إلى معرفته لا تنبني عليه الأحكام، وإنما ينبني على الظاهر المعروف. اهـ.
وقال ابن اللحام الحنبلي في القواعد والفوائد الأصولية، وما يتبعها من الأحكام الفرعية: الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال، وغالب الفقه مظنون، ولكن عبر هنا بالعلم، لأنه يجب العمل بالمظنون، كما يجب في المقطوع، إذ تقرر هذا، فيتفرع على العمل بالظن فروع كثيرة، ولم يطرد أصل أصحابنا في ذلك، ففي بعض الأماكن قالوا: يعمل بالظن، وفي بعضها قالوا: لابد من اليقين، وطرد أبو العباس -يعني شيخ الإسلام ابن تيمية- أصله، وقال: يعمل بالظن في عامة أمور الشرع. اهـ.
وذكر تحتها مسائل كثيرة، فيها خلاف وتشعب، فراجعها -إن شئت-.
ومن هذه المسائل: لو قال له علي ألف في علمي، أو في ظني، لزمه في الأول، لا الثاني.
ومن القواعد الفقهية المقررة؛ قاعدة: العمل بأكبر الرأي جائز.
وفي لفظ: غالب الرأي يجوز تحكيمه فيما لا يمكن معرفة حقيقته.
قال محمد صدقي في موسوعة القواعد الفقهية: المراد بأكبر الرأي: غلبة الظن، والإدراك للجانب الراجح، فمفاد القاعدة: أن عند عدم اليقين يكفي غلبة الظن في بناء الأحكام عليها؛ لأن القطع في أكثر الأحكام متعذر. اهـ.
وقال في شرح قاعدة: كل ما أشكل وجوبه فالأصل براءة الذمة فيه: الأصل في وجوب شيء في الذمة اليقين والقطع، إما بالدليل القطعي بالنسبة للعبادات، أو القطع، أو غلبة الظن بالنسبة لتحمل التبعات الدنيوية، فإذا شككنا في وجوب شيء علينا، أو تعلقه بذمتنا، ولم يقم عليه دليل قاطع، أو غلبة ظن، فالأصل براءة الذمة من التبعات، وخلوها من الواجبات. اهـ.
وأما المطروح بالكلية: فهو الشك، وهو الوارد في القاعدة الكلية المشهورة: اليقين لا يزول بالشك.
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: من لزمه طهارة، أو صلاة، أو زكاة، أو حج، أو عمرة، أو دين لآدمي، ثم شك في أداء ركن من أركانه، أو شرط من شرائطه، فإنه يلزمه القيام به؛ لأن الأصل بقاؤه في عهدته، ولو شك هل لزمه شيء من ذلك، أو لزمه دين في ذمته، أو عين في ذمته، أو شك في عتق أمته، أو طلاق زوجته، أو شك في نذر، أو شيء مما ذكرناه؟ فلا يلزمه شيء من ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.
والله أعلم.